الدهن ، فإنك إذا صببته ترى فيه ألوانا. وقال زيد بن أسلم : إنها تصير كعكر الزيت. قال الزجاج : إنها اليوم خضراء وسيكون لها لون أحمر. قال الماوردي : وزعم (١) المتقدّمون أن أصل لون السماء الحمرة ، وأنها لكثرة الحوائل وبعد المسافة ترى بهذا اللون الأزرق (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فإن من جملتها ما في هذا التهديد والتخويف من حسن العاقبة بالإقبال على الخير والإعراض عن الشرّ (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) أي : يوم تنشق السماء لا يسأل أحد من الإنس ولا من الجنّ عن ذنبه ، لأنهم يعرفون بسيماهم عند خروجهم من قبورهم ، والجمع بين هذه الآية وبين مثل قوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٢) أن ما هنا يكون في موقف والسؤال في موقف آخر من مواقف القيامة. وقيل : إنهم لا يسألون هنا سؤال استفهام عن ذنوبهم ، لأن الله سبحانه قد أحصى الأعمال وحفظها على العباد ، ولكن يسألون سؤال توبيخ وتقريع ، ومثل هذه الآية قوله : (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) (٣) قال أبو العالية : المعنى لا يسأل غير المجرم عن ذنب المجرم. وقيل : إن عدم السؤال هو عند البعث ، والسؤال هو في موقف الحساب (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فإن من جملتها هذا الوعيد الشديد لكثرة ما يترتّب عليه من الفوائد (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) هذه الجملة جارية مجرى التعليل لعدم السؤال. السيما : العلامة. قال الحسن : سيماهم : سواد الوجوه وزرقة الأعين ، كما في قوله : (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) (٤) وقال : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) (٥) وقيل : سيماهم ما يعلوهم من الحزن والكآبة (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) والجار والمجرور في محل رفع على أنه النائب ، والنواصي : شعور مقدم الرؤوس ، والمعنى : أنها تجعل الأقدام مضمومة إلى النواصي ، وتلقيهم الملائكة في النار. قال الضّحّاك : يجمع بين ناصيته وقدمه في سلسلة من وراء ظهره. وقيل : تسحبهم الملائكة إلى النار ، تارة تأخذ بنواصيهم وتجرّهم على وجوههم ، وتارة تأخذ بأقدامهم وتجرّهم على رؤوسهم (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فإن من جملتها هذا الترهيب الشديد والوعيد البالغ الّذي ترجف له القلوب وتضطرب لهوله الأحشاء (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) أي : يقال لهم عند ذلك هذه جهنم التي تشاهدونها وتنظرون إليها ، مع أنكم كنتم تكذبون بها وتقولون إنها لا تكون ، والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل : فماذا يقال لهم عند الأخذ بالنواصي والأقدام؟ فقيل : يقال لهم : هذه جهنم ، تقريعا لهم وتوبيخا (يَطُوفُونَ بَيْنَها) أي : بين جهنم فتحرقهم (وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) فتصبّ على وجوههم ، والحميم : الماء الحارّ ، والآن : الّذي قد انتهى حرّه وبلغ غايته. كذا قال الفراء. قال الزجاج : أنى يأني أنّى فهو آن : إذا انتهى في النضج والحرارة ، ومنه قول النابغة الذّبياني :
وتخضب لحية غدرت وخانت |
|
بأحمر من نجيع الجوف آن |
وقيل : هو واد من أودية جهنم يجمع فيه صديد أهل النار ، فيغمسون فيه. قال قتادة : يطوفون مرّة بين
__________________
(١). الزّعم : القول يشكّ فيه.
(٢). الحجر : ٩٢.
(٣). القصص : ٧٨.
(٤). طه : ١٠٢.
(٥). آل عمران : ١٠٦.