قدّمنا في أوّل هذه السورة وجه تكرير هذه الآية فلا نعيده (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) تبارك : تفاعل ، من البركة ، قال الرّازي : وأصل التبارك من التبرّك ، وهو الدوام والثبات ، ومنه برك البعير وبركة الماء فإن الماء يكون دائما ، والمعنى : دام اسمه وثبت أو دام الخير عنده ، لأن البركة وإن كانت من الثبات لكنها تستعمل في الخير ، أو يكون معناه علا وارتفع شأنه. وقيل معناه : تنزيه الله سبحانه وتقديسه ، وإذا كان هذا التبارك منسوبا إلى اسمه عزوجل ، فما ظنك بذاته سبحانه ، وقيل : الاسم بمعنى الصفة ، وقيل : هو مقحم كما في قول الشاعر :
إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما |
|
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر |
وقد تقدّم تفسير ذي الجلال والإكرام في هذه السورة. قرأ الجمهور : (ذِي الْجَلالِ) على أنه صفة للربّ سبحانه. وقرأ ابن عامر ذو الجلال على أنه صفة لاسم.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) قال : وعد الله المؤمنين الذين خافوا مقامه فأدّوا فرائضه الجنة. وأخرج ابن جرير عنه في الآية يقول : خاف ثم اتقى ، والخائف : من ركب طاعة الله وترك معصيته. وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة ، عن عطاء : أنها نزلت في أبي بكر. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شوذب مثله. وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود في الآية قال : لمن خافه في الدنيا. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن منيع والحاكم والترمذي والنسائي والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أبي الدّرداء : «أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قرأ هذه الآية (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) فقلت : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم الثانية : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) فقلت : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم الثانية : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) فقلت : وإن زنى وإن سرق ، فقال الثالثة : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) فقلت : وإن زنى وإن سرق ، قال نعم : وإن رغم أنف أبي الدّرداء». وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) فقال أبو الدرداء : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ قال : وإن زنى وإن سرق ، وإن رغم أنف أبي الدّرداء». وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن يسار مولى لآل معاوية عن أبيّ الدّرداء في قوله : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) قال : قيل لأبي الدّرداء : وإن زنى وإن سرق؟ قال : من خاف مقام ربه ولم يزن ولم يسرق. وأخرج ابن مردويه عن ابن شهاب قال : كنت عند هشام بن عبد الملك ، فقال قال أبو هريرة : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) قال أبو هريرة : وإن زنى وإن سرق؟ فقلت : إنما كان ذلك قبل أن تنزل الفرائض ، فلما نزلت الفرائض ذهب هذا». وأخرج البخاري ومسلم وغير هما عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «جنان الفردوس أربع جنات : جنتان من ذهب حليتهما وأبنيتهما وما فيهما ، وجنتان من فضة حليتهما وأبنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن». وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي موسى عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم في قوله : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) وفي قوله :