أي : إذا وقعت كان كيت وكيت ، والجواب هذا هو العامل فيها ، وقيل : إنها شرطية ، والعامل فيها الفعل الّذي بعدها ، واختار هذا أبو حيان ، وقد سبقه إلى هذا مكيّ فقال : والعامل وقعت. قال المفسرون : والواقعة هنا هي النفخة الآخرة ، ومعنى الآية : أنها إذا وقعت النفخة الآخرة عند البعث لم يكن هناك تكذيب بها أصلا ، أو لا يكون هناك نفس تكذيب على الله وتكذيب بما أخبر عنه من أمور الآخرة. قال الزجاج : «ليس لوقعتها كاذبة» أي : لا يردّها شيء ، وبه قال الحسن وقتادة. وقال الثوري : ليس لوقعتها أحد يكذب بها. وقال الكسائي : ليس لها تكذيب ، أي : لا ينبغي أن يكذب بها أحد (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) قرأ الجمهور برفعهما على إضمار مبتدأ ، أي : هي خافضة رافعة. وقرأ الحسن وعيسى الثقفي بنصبهما على الحال. قال عكرمة والسدّي ومقاتل : خفضت الصوت فأسمعت من دنا ، ورفعت الصوت فأسمعت من نأى ، أي : أسمعت القريب والبعيد. وقال قتادة : خفضت أقواما في عذاب الله ، ورفعت أقواما إلى طاعة الله. وقال محمد بن كعب : خفضت أقواما كانوا في الدنيا مرفوعين ، ورفعت أقواما كانوا في الدنيا مخفوضين. والعرب تستعمل الخفض والرفع في المكان والمكانة والعزّ والإهانة ، ونسبة الخفض والرفع إليها على طريق المجاز ، والخافض والرّافع في الحقيقة هو الله سبحانه. (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) أي : إذا حرّكت حركة شديدة ، يقال : رجّه يرجّه رجّا إذا حرّكه ، والرّجة : الاضطراب ، وارتجّ البحر : اضطرب. قال المفسرون : ترتجّ كما يرتجّ الصبيّ في المهد حتى ينهدم كل ما عليها ، وينكسر كل شيء من الجبال وغيرها. قال قتادة ومقاتل ومجاهد : معنى رجّت : زلزلت ، والظرف متعلق بقوله : (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) أي : تخفض وترفع وقت رجّ الأرض وبس الجبال ؛ لأنه عند ذلك يرتفع ما هو منخفض وينخفض ما هو مرتفع. وقيل : إنه بدل من الظرف الأوّل ذكره الزجاج ، فيكون معنى وقوع الواقعة هو رجّ الأرض ، وبس الجبال. (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا) البس : الفتّ ، يقال : بسّ الشيء إذا فتّه حتى يصير فتاتا ، ويقال : بسّ السويق : إذابته بالسمن أو بالزيت. قال مجاهد ومقاتل : المعنى أن الجبال فتت فتا. وقال السدّي : كسرت كسرا. وقال الحسن : قلعت من أصلها. وقال مجاهد أيضا. بست كما يبس الدقيق بالسمن أو بالزيت ، والمعنى : أنها خلطت فصارت كالدقيق الملتوت. وقال أبو زيد : البسّ السوق ، والمعنى على هذا : سيقت الجبال سوقا. قال أبو عبيد : بسّ الإبل وأبسّها لغتان ؛ إذا زجرها. وقال عكرمة : المعنى هدّت هدّا (فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) أي : غبارا متفرّقا منتشرا. قال مجاهد : الهباء الشعاع الّذي يكون في الكوّة كهيئة الغبار ، وقيل : هو الرّهج الّذي يسطع من حوافر الدّواب ثم يذهب ، وقيل : ما تطاير من النار إذا اضطرمت على سورة الشرر ، فإذا وقع لم يكن شيئا ، وقد تقدم بيانه في الفرقان عند تفسير قوله : (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (١) قرأ الجمهور (مُنْبَثًّا) بالمثلثة. وقرأ مسروق والنخعي وأبو حيوة بالتاء المثناة من فوق. أي : منقطعا ، من قولهم : بتّه الله ، أي : قطعه. ثم ذكر سبحانه أحوال الناس واختلافهم فقال : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) والخطاب لجميع الناس أو للأمة الحاضرة ، والأزواج : الأصناف ، والمعنى : وكنتم في ذلك اليوم أصنافا ثلاثة. ثم فسّر سبحانه هذه الأصناف فقال : (فَأَصْحابُ
__________________
(١). الفرقان : ٢٣.