زيد : كان الرجل يأتي النبي صلىاللهعليهوسلم فيسأله الحاجة ويناجيه والأرض يومئذ حرب ، فيتوهمون أنه يناجيه في حرب أو بلية أو أمر مهمّ ؛ فيفزعون لذلك (وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) قرأ الجمهور : «يتناجون» بوزن يتفاعلون ، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لقوله فيما بعد : (إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا) وقرأ حمزة وخلف وورش عن يعقوب «وينتجون» بوزن يفتعلون ، وهي قراءة ابن مسعود وأصحابه ، وحكى سيبويه أن تفاعلوا وافتعلوا يأتيان بمعنى واحد ، نحو : تخاصموا واختصموا ، وتقاتلوا واقتتلوا ، ومعنى الإثم ما هو إثم في نفسه كالكذب والظلم ، والعدوان ما فيه عدوان على المؤمنين ومعصية الرسول مخالفته. قرأ الجمهور : «ومعصية» بالإفراد. وقرأ الضحاك وحميد ومجاهد «ومعصيات» بالجمع. (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ) قال القرطبي : إن المراد بها اليهود ، كانوا يأتون النبي صلىاللهعليهوسلم فيقولون : السام عليك ، يريدون ذلك السلام ظاهرا ، وهم يعنون الموت باطنا ، فيقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «عليكم». وفي رواية أخرى : «وعليكم». (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ) أي : فيما بينهم (لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ) أي : هلّا يعذّبنا بذلك ، ولو كان محمد نبيا لعذبنا بما يتضمّنه قولنا من الاستخفاف به ، وقيل : المعنى : لو كان نبيا لاستجيب له فينا حيث يقول : وعليكم ، ووقع علينا الموت عند ذلك. (حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ) عذابا (يَصْلَوْنَها) يدخلونها (فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي : المرجع ، وهو جهنم ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) لما فرغ سبحانه عن نهي اليهود والمنافقين عن النجوى ؛ أرشد المؤمنين إذا تناجوا فيما بينهم أن لا يتناجوا بما فيه إثم وعدوان ومعصية لرسول الله كما يفعله اليهود والمنافقون. ثم بيّن لهم ما يتناجون به في أنديتهم وخلواتهم ، فقال : (وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى) أي : بالطاعة وترك المعصية ، وقيل : الخطاب للمنافقين ، والمعنى : يا أيها الذين آمنوا بموسى ، والأول أولى ، ثم خوّفهم سبحانه فقال : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فيجزيكم بأعمالكم. ثم بيّن سبحانه أن ما يفعله اليهود والمنافقون من التناجي هو من جهة الشيطان ، فقال : (إِنَّمَا النَّجْوى) يعني بالإثم والعدوان ومعصية الرسول (مِنَ الشَّيْطانِ) لا من غيره ، أي : من تزيينه وتسويله (لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) أي : لأجل أن يوقعهم في الحزن بما يحصل لهم من التوهم أنها في مكيدة يكادون بها (وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً) أو : وليس الشيطان أو التناجي الّذي يزيّنه الشيطان بضار المؤمنين شيئا من الضرر (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي : بمشيئته ، وقيل : بعلمه (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) أي : يكلون أمرهم إليه ، ويفوّضونه في جميع شؤونهم ، ويستعيذون بالله من الشيطان ، ولا يبالون بما يزيّنه من النّجوى.
وقد أخرج أحمد وعبد بن حميد والبزار وابن المنذر والطبراني وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب ، قال السيوطي : بسند جيد ، عن ابن عمر : إن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : السام عليك ، يريدون بذلك شتمه ، ثم يقولون في أنفسهم : لولا يعذّبنا الله بما نقول ، فنزلت هذه الآية : (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ). وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ، والترمذي وصحّحه ، عن أنس : «أن يهوديا أتى النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه فقال : السام عليكم ، فردّ عليه القوم ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : هل تدرون ما قال