الاستدلال بصحيح ، فإن النسخ لم يقع إلا بعد إمكان الفعل ، وأيضا قد فعل ذلك البعض ، فتصدّق بين يدي نجواه كما سيأتي.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال : أنزلت هذه الآية (إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ) يوم جمعة ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يومئذ في الصفّة ، وفي المكان ضيق وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار ، فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوا إلى المجالس فقاموا حيال رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، فردّ النبي صلىاللهعليهوسلم عليهم ، ثم سلّموا على القوم بعد ذلك فردّوا عليهم ، فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم ، فعرف النبي صلىاللهعليهوسلم ما يحملهم على القيام ، فلم يفسح لهم ، فشقّ ذلك عليه ، فقال لمن حوله من المهاجرين والأنصار من غير أهل بدر : قم يا فلان وأنت يا فلان ، فلم يزل يقيمهم بعدّة النفر الذين هم قيام من أهل بدر ، فشقّ ذلك على من أقيم من مجلسه ، فنزلت هذه الآية. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : ذلك في مجلس القتال (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا) قال : إلى الخير والصلاة. وأخرج ابن المنذر ، والحاكم وصحّحه ، والبيهقي في المدخل ، عن ابن عباس في قوله : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) قال : يرفع الله الذين أوتوا العلم من المؤمنين على الذين لم يؤمنوا درجات. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في تفسير هذه الآية قال : يرفع الله الذين آمنوا وأوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم درجات. وأخرج ابن المنذر عنه قال : ما خصّ الله العلماء في شيء من القرآن ما خصّهم في هذه الآية ، فضّل الله الذين آمنوا وأوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ) الآية قال : إن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى شقّوا عليه ، فأراد الله أن يخفف عن نبيه ، فلما قال ذلك ضنّ كثير من الناس وكفوا عن المسألة ؛ فأنزل الله بعد هذا (أَأَشْفَقْتُمْ) الآية ، فوسع الله عليهم ولم يضيق. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ، والترمذي وحسّنه ، وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والنحاس وابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال : لما نزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) قال لي النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما ترى دينارا؟ قلت : لا يطيقونه. قال : فنصف دينار؟ قلت لا يطيقونه ، قال : فكم؟ قلت : شعيرة ، قال : إنك لزهيد ، قال : فنزلت : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) الآية ، فبي خفّف الله عن هذه الأمة» والمراد بالشعيرة هنا وزن شعيرة من ذهب ، وليس المراد واحدة من حب الشعير. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه قال : ما عمل بها أحد غيري حتى نسخت ، وما كانت إلا ساعة : يعني آية النجوى. وأخرج سعيد ابن منصور وابن راهويه وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عنه أيضا قال : إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي آية النجوى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم ، فكنت كلما ناجيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم قدمت بين يدي نجواي درهما ، ثم نسخت فلم يعمل بها أحد ، فنزلت :