يراد به الجنس وهو مبتدأ ، وخبره : (الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) من أعمال الخير في الدنيا ، والمراد بالأحسن الحسن ، كقوله : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) (١) وقيل : إن اسم التفضيل على معناه ، ويراد به ما يثاب العبد عليه من الأعمال ، لا ما لا يثاب عليه كالمباح فإنه حسن وليس بأحسن (وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) فلا نعاقبهم عليها. قرأ الجمهور : «يتقبل ويتجاوز» على بناء الفعلين للمفعول. وقرأ حمزة والكسائي بالنون فيهما على إسنادهما إلى الله سبحانه ، والتجاوز : الغفران ، وأصله من جزت الشيء ؛ إذا لم تقف عليه ، ومعنى (فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ) أنهم كائنون في عدادهم منتظمون في سلكهم ، فالجارّ والمجرور في محل النصب على الحال ، كقولك : أكرمني الأمير في أصحابه ، أي : كائنا في جملتهم ، وقيل : إن في بمعنى مع ، أي : مع أصحاب الجنة ، وقيل : إنهما خبر مبتدأ محذوف ، أي : هم في أصحاب الجنة (وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) وعد الصدق مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة ، لأن قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ) إلخ في معنى الوعد بالتقبل والتجاوز ، ويجوز أن يكون مصدرا لفعل محذوف ، أي : وعدهم الله وعد الصدق الّذي كانوا يوعدون به على ألسن الرسل في الدنيا.
وقد أخرج أبو يعلى وابن جرير والطبراني ، والحاكم وصحّحه ، عن عوف بن مالك الأشجعي قال : انطلق النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم ، فكرهوا دخولنا عليهم ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلا منكم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يحطّ الله تعالى عن كل يهوديّ تحت أديم السماء الغضب الّذي عليه ، فسكتوا ؛ فما أجابه منهم أحد ، ثم ردّ عليهم فلم يجبه أحد ثلاثا ، فقال : أبيتم فو الله لأنا الحاشر ، وأنا العاقب ، وأنا المقفي آمنتم أو كذبتم» ، ثم انصرف وأنا معه حتى كدنا أن نخرج ، فإذا رجل من خلفه فقال : كما أنت يا محمد فأقبل ، فقال ذلك الرجل : أيّ رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود ، فقالوا : والله ما نعلم فينا رجلا أعلم بكتاب الله ولا أفقه منك ولا من أبيك ولا من جدّك ، قال : فإني أشهد بالله أنه النبيّ الّذي تجدونه مكتوبا في التوراة والإنجيل ، قالوا : كذبت ، ثم ردّوا عليه وقالوا شرا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كذبتم لن يقبل منكم قولكم» ، فخرجنا ونحن ثلاثة ، رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنا وابن سلام ، فأنزل الله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) إلى قوله : (لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). وصحّحه السيوطي. وأخرج البخاري ومسلم وغير هما عن سعد بن أبي وقاص قال : ما سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام ، وفيه نزلت : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ). وأخرج الترمذي وابن جرير وابن مردويه عن عبد الله بن سلام قال : نزل في آيات من كتاب الله نزلت فيّ : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) ونزل فيّ : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) (٢). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) قال : عبد الله بن سلام ، وقد روي نحو هذا عن جماعة
__________________
(١). الزمر : ٥٥.
(٢). الرعد : ٤٣.