من التابعين. وفيه دليل على أن هذه الآية مدنية فيخصّص بها عموم قولهم إن سورة الأحقاف كلّها مكية. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال : قال ناس من المشركين نحن أعزّ ونحن ونحن ، فلو كان خيرا ما سبقنا إليه فلان وفلان ، فنزل (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ).
وأخرج ابن المنذر عن عون بن أبي شداد قال : كانت لعمر بن الخطاب أمة أسلمت قبله : يقال لها زنّيرة ، وكان عمر يضربها على الإسلام ، وكان كفار قريش يقولون : لو كان خيرا ما سبقنا إليه زنيرة ، فأنزل الله في شأنها (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية. وأخرج الطبراني عن سمرة بن جندب أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «بنو غفار وأسلم كانوا لكثير من الناس فتنة ، يقولون لو كان خيرا ما جعلهم الله أوّل الناس فيه». وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : نزل قوله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) الآية إلى قوله : (وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) في أبي بكر الصديق. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن نافع بن جبير أن ابن عباس أخبره قال : إني لصاحب المرأة التي أتى بها عمر التي وضعت لستة أشهر ، فأنكر الناس ذلك. فقلت لعمر : لم تظلم؟ قال : كيف؟ قلت : اقرأ : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ) (١) كم الحول؟ قال : سنة ، قلت : كم السنة؟ قال : اثنا عشر شهرا ، قلت : فأربعة وعشرون شهرا حولان كاملان ، ويؤخّر الله من الحمل ما شاء ويقدّم ما شاء ، فاستراح عمر إلى قولي. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أنه كان يقول : إذا ولدت المرأة لتسعة أشهر كفاها من الرضاع أحد وعشرون شهرا ، وإذا ولدت لسبعة أشهر كفاها من الرضاع ثلاثة وعشرون شهرا ، وإذا وضعت لستة أشهر فحولان كاملان ؛ لأن الله يقول : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً). وأخرج ابن مردويه عنه أيضا قال : أنزلت هذه الآية في أبي بكر الصدّيق (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) الآية ، فاستجاب الله له ، فأسلم والده جميعا وإخوته وولده كلّهم ، ونزلت فيه أيضا : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) (٢) إلى آخر السورة.
(وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧) أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (١٨) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٩) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (٢٠))
لما ذكر سبحانه من شكر نعمة الله سبحانه عليه وعلى والديه ذكر من قال لهما قولا يدلّ على التضجر
__________________
(١). البقرة : ٢٣٣.
(٢). الليل : ٥.