(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) قرأ الجمهور : (يُوقَ) بسكون الواو وتخفيف القاف من الوقاية. وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة بفتح الواو وتشديد القاف. وقرأ الجمهور : (شُحَّ نَفْسِهِ) بضم الشين. وقرأ ابن عمر وابن أبي عبلة بكسرها. والشحّ : البخل مع حرص ، كذا في الصحاح ، وقيل : الشحّ أشدّ من البخل. قال مقاتل : شحّ نفسه : حرص نفسه. قال سعيد بن جبير : شحّ النفس هو أخذ الحرام ومنع الزكاة. قال ابن زيد : من لم يأخذ شيئا نهاه الله عنه ، ولم يمنع شيئا أمره الله بأدائه ، فقد وقي شحّ نفسه. قال طاوس : البخيل : أن يبخل الإنسان بما في يده ، والشحّ : أن يشحّ بما في أيدي الناس ، يحبّ أن يكون له ما في أيديهم بالحلال والحرام ، لا يقنع. وقال ابن عيينة : الشحّ : الظلم. وقال الليث : ترك الفرائض وانتهاك المحارم. والظاهر من الآية أن الفلاح مترتب على عدم شحّ النفس بشيء من الأشياء التي يقبح الشحّ بها شرعا من زكاة أو صدقة أو صلة رحم أو نحو ذلك ، كما تفيده إضافة الشحّ إلى النفس. والإشارة بقوله : (فَأُولئِكَ) إلى (مِنْ) باعتبار معناها ، وهو مبتدأ وخبره (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) والفلاح : الفوز والظفر بكل مطلوب. ثم لما فرغ سبحانه من الثناء على المهاجرين والأنصار ، ذكر ما ينبغي أن يقوله من جاء بعدهم ، فقال : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) وهم التابعون لهم بإحسان إلى يوم القيامة ، وقيل : هم الذين هاجروا بعد ما قوي الإسلام ، والظاهر شمول الآية لمن جاء بعد السابقين من الصحابة المتأخر إسلامهم في عصر النبوّة ، ومن تبعهم من المسلمين بعد عصر النبوّة إلى يوم القيامة ؛ لأنه يصدق على الكلّ أنهم جاءوا بعد المهاجرين الأوّلين والأنصار ، والموصول مبتدأ وخبره : (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) ويجوز أن يكون الموصول معطوفا على قوله : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) ، فيكون «يقولون» في محل نصب على الحال ، أو مستأنف لا محل له ، والمراد بالأخوة هنا أخوة الدّين ، أمرهم الله أن يستغفروا لأنفسهم ولمن تقدّمهم من المهاجرين والأنصار (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي : غشّا وبغضا وحسدا. أمرهم الله سبحانه بعد الاستغفار للمهاجرين والأنصار أن يطلبوا من الله سبحانه أن ينزع من قلوبهم الغلّ للذين آمنوا على الإطلاق ، فيدخل في ذلك الصحابة دخولا أوّليا لكونهم أشرف المؤمنين ، ولكون السياق فيهم ، فمن لم يستغفر للصحابة على العموم ويطلب رضوان الله لهم فقد خالف ما أمره الله به في هذه الآية ، فإن وجد في قلبه غلا لهم فقد أصابه نزغ من الشيطان ، وحلّ به نصيب وافر من عصيان الله ؛ بعداوة أوليائه وخير أمة نبيه صلىاللهعليهوسلم ، وانفتح له باب من الخذلان يفد به على نار جهنم ؛ إن لم يتدارك نفسه باللجوء إلى الله سبحانه والاستغاثة به ؛ بأن ينزع عن قلبه ما طرقه من الغلّ لخير القرون وأشرف هذه الأمة ، فإن جاوز ما يجده من الغلّ إلى شتم أحد منهم ، فقد انقاد للشيطان بزمام ووقع في غضب الله وسخطه ، وهذا الداء العضال إنما يصاب به من ابتلي بمعلّم من الرافضة ، أو صاحب من أعداء خير الأمة ؛ الذين تلاعب بهم الشيطان ، وزيّن لهم الأكاذيب المختلفة والأقاصيص المفتراة والخرافات الموضوعة ، وصرفهم عن كتاب الله الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وعن سنّة رسول الله صلىاللهعليهوسلم المنقولة إلينا بروايات الأئمة الأكابر في كل عصر من العصور ، فاشتروا الضلالة بالهدى ، واستبدلوا الخسران العظيم بالربح الوافر ، وما