زال الشيطان الرجيم ينقلهم من منزلة إلى منزلة ، ومن رتبة إلى رتبة ، حتى صاروا أعداء كتاب الله ، وسنّة رسوله ، وخير أمته ، وصالحي عباده ، وسائر المؤمنين ، وأهملوا فرائض الله ، وهجروا شعائر الدين ، وسعوا في كيد الإسلام وأهله كل السعي ، ورموا الدين وأهله بكلّ حجر ومدر ، والله من ورائهم محيط (رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي : كثير الرأفة والرحمة ، بلّغهما لمن يستحق ذلك من عبادك.
وقد أخرج البخاري عن عمر بن الخطاب أنه قال : أوصي الخليفة بعدي بالمهاجرين الأوّلين أن يعرف لهم حقهم ، ويحفظ لهم حرمتهم ، وأوصيه بالأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم أن يقبل من محسنهم ويتجاوز من مسيئهم. وأخرج البخاري ومسلم وغير هما عن أبي هريرة قال : أتى رجل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله؟ أصابني الجهد ، فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهنّ شيئا فقال : ألا رجل يضيف هذه الليلة رحمهالله ، فقال رجل من الأنصار ، وفي رواية فقال أبو طلحة الأنصاري : أنا يا رسول الله ، فذهب به إلى أهله ، فقال لامرأته : أكرمي ضيف رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا تدّخريه شيئا ، قالت : والله ما عندي إلا قوت الصبية ، قال : فإذا أراد الصبية العشاء فنوّميهم وتعالي فأطفئي السراج ؛ ونطوي بطوننا الليل لضيف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ففعلت ، ثم غدا الضيف على النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : «لقد عجب الله الليلة من فلان وفلانة» ، وأنزل فيهما : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ). وأخرج الحاكم وصحّحه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب ، عن ابن عمر قال : أهدي إلى رجل من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأس شاة فقال : إن أخي فلانا وعياله أحوج إلى هذا منّا ، فبعث به إليه ، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى تداولها أهل سبعة أبيات حتى رجعت إلى الأوّل ، فنزلت فيهم (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ). وأخرج الفريابي وسعيد ابن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب ، عن ابن مسعود أن رجلا قال : إني أخاف أن أكون قد هلكت ، قال : وما ذاك؟ قال : إني سمعت الله يقول : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وأنا رجل شحيح لا يكاد يخرج مني شيء ، فقال له ابن مسعود : ليس ذاك بالشحّ ، ولكنه البخل ، ولا خير في البخل. وإن الشحّ الّذي ذكره الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلما. وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عمر في الآية قال : ليس الشحّ أن يمنع الرجل ماله ، ولكنه البخل وإنه لشرّ ، إنما الشحّ أن تطمح عين الرجل إلى ما ليس له. وأخرج ابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب قال : من أدّى زكاة ماله فقد وقي شحّ نفسه. وأخرج الحكيم الترمذي وأبو يعلى وابن مردويه عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما محق الإسلام محق الشحّ شيء قط». وأخرج أحمد ، والبخاري في الأدب ، ومسلم والبيهقي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشحّ فإن الشحّ أهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دماءهم ، واستحلّوا محارمهم». وقد وردت أحاديث كثيرة في ذمّ الشحّ.
وأخرج الحاكم وصحّحه ، وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال : الناس على ثلاث منازل ، قد مضت منزلتان وبقيت منزلة ، فأحسن ما أنتم كائنون عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت ، ثم قرأ : (وَالَّذِينَ