الباطن مختلفة آراؤهم ، مختلفة شهادتهم ، مختلفة أهواؤهم ، وهم مجتمعون في عداوة أهل الحقّ. وقرأ ابن مسعود : «وقلوبهم أشتّ» أي : أشدّ اختلافا (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) أي : ذلك الاختلاف والتشتّت بسبب أنهم قوم لا يعقلون شيئا ، ولو عقلوا لعرفوا الحقّ واتبعوه (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : مثلهم كمثل الذين من قبلهم ، والمعنى : أن مثل المنافقين واليهود كمثل الذين من قبلهم من كفار المشركين (قَرِيباً) يعني في زمان قريب ، وانتصاب قريبا على الظرفية ، أي : يشبهونهم في زمن قريب ، وقيل : العامل فيه ذاقوا ، أي : ذاقوا في زمن قريب ، ومعنى (ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) أي : سوء عاقبة كفرهم في الدنيا بقتلهم يوم بدر ، وكان ذلك قبل غزوة بني النضير بستة أشهر ، قاله مجاهد وغيره ، وقيل : المراد بنو النضير حيث أمكن الله منهم ، قاله قتادة. وقيل : قتل بني قريظة ، قاله الضحاك. وقيل : هو عامّ في كل من انتقم الله منه بسبب كفره ، والأوّل أولى (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : في الآخرة. ثم ضرب لليهود والمنافقين مثلا آخر فقال : (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ) أي : مثلهم في تخاذلهم وعدم تناصرهم ، فهو إما خبر مبتدأ محذوف ، أو خبر آخر للمبتدأ المقدّر قبل قوله : (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) على تقدير حذف حرف العطف ، كما تقول : أنت عاقل ، أنت عالم ، أنت كريم. وقيل : المثل الأوّل خاص باليهود ، والثاني خاص بالمنافقين ، وقيل : المثل الثاني بيان للمثل الأوّل. ثم بيّن سبحانه وجه الشبه فقال : (إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ) أي : أغراه بالكفر ، وزيّنه له ، وحمله عليه ، والمراد بالإنسان هنا جنس من أطاع الشيطان من نوع الإنسان ، وقيل : هو عابد كان في بني إسرائيل حمله الشيطان على الكفر فأطاعه (فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ) أي : فلما كفر الإنسان مطاوعة للشيطان ، وقبولا لتزيينه ، قال الشيطان : إني بريء منك. وهذا يكون منه يوم القيامة. وجملة (إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) تعليل لبراءته من الإنسان بعد كفره ، وقيل : المراد بالإنسان هنا أبو جهل ، والأوّل أولى. قال مجاهد : المراد بالإنسان هنا جميع الناس في غرور الشيطان إياهم ، قيل : وليس قول الشيطان (إِنِّي أَخافُ اللهَ) على حقيقته ، إنما هو على وجه التبرّي من الإنسان ، فهو تأكيد لقوله : (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ) قرأ الجمهور : (إِنِّي) بإسكان الياء. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتحها (فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ) قرأ الجمهور : (عاقِبَتَهُما) بالنصب على أنه خبر كان ، واسمها «أنهما في النار». وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد بالرفع على أنها اسم كان ، والخبر ما بعده ؛ والمعنى : فكان عاقبة الشيطان وذلك الإنسان الّذي كفر أنهما صائران إلى النار (خالِدَيْنِ فِيها) قرأ الجمهور (خالِدَيْنِ) بالنصب على الحال ، وقرأ ابن مسعود والأعمش وزيد بن عليّ وابن أبي عبلة «خالدان» على أنه خبر أنّ والظرف متعلق به (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) أي : الخلود في النار جزاء الظالمين ، ويدخل هؤلاء فيهم دخولا أوليا. ثم رجع سبحانه إلى خطاب المؤمنين بالموعظة الحسنة فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) أي : اتّقوا عقابه بفعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) أي : لتنظر أيّ شيء قدّمت من الأعمال ليوم القيامة ، والعرب تكني عن المستقبل بالغد ، وقيل : ذكر الغد تنبيها على قرب الساعة (وَاتَّقُوا اللهَ) كرّر الأمر بالتقوى للتأكيد (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) لا تخفى عليه من