الجمهور : لنوفيهم بالنون ، وقرأ ابن كثير وابن محيصن وعاصم وأبو عمرو ويعقوب بالياء التحتية. واختار أبو عبيد القراءة الأولى ، واختار الثانية أبو حاتم (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أي : لا يزاد مسيء ولا ينقص محسن ، بل يوفّى كل فريق ما يستحقّه من خير وشرّ ، والجملة في محلّ نصب على الحال ، أو مستأنفة مقررة لما قبلها (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) الظرف متعلّق بمحذوف ، أي : اذكر لهم يا محمد يوم ينكشف الغطاء فينظرون إلى النار ويقربون منها ، وقيل : معنى يعرضون يعذبون ، من قولهم : عرضه على السيف ، وقيل : في الكلام قلب. والمعنى : تعرض النار عليهم. (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) أي : يقال لهم ذلك ، وقيل : وهذا المقدر هو الناصب للظرف ، والأوّل أولى. قرأ الجمهور : (أَذْهَبْتُمْ) بهمزة واحدة ، وقرأ الحسن ونصر أبو العالية ويعقوب وابن كثير بهمزتين مخففتين ، ومعنى الاستفهام التقريع والتوبيخ. قال الفراء والزجّاج : العرب توبّخ بالاستفهام وبغيره ، فالتوبيخ كائن على القراءتين. قال الكلبي : المراد بالطيبات اللذات وما كانوا فيه من المعايش (وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها) أي : بالطيبات ، والمعنى : أنهم اتبعوا الشهوات واللذات التي في معاصي الله سبحانه ، ولم يبالوا بالذنب تكذيبا منهم لما جاءت به الرّسل من الوعد بالحساب والعقاب والثواب (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) أي : العذاب الّذي فيه ذلّ لكم وخزي عليكم. قال مجاهد وقتادة : الهون الهوان بلغة قريش (بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) أي : بسبب تكبّركم عن عبادة الله والإيمان به وتوحيده (وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) أي : تخرجون عن طاعة الله وتعملون بمعاصيه ، فجعل السبب في عذابهم أمرين : التكبّر عن اتّباع الحقّ ، والعمل بمعاصي الله سبحانه وتعالى ، وهذا شأن الكفرة فإنهم قد جمعوا بينهما.
وقد أخرج البخاري عن يوسف بن ماهك قال : كان مروان على الحجاز ، استعمله معاوية بن أبي سفيان ، فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه ، فقال عبد الرّحمن بن أبي بكر شيئا ، فقال : خذوه ، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه ، فقال مروان : إن هذا أنزل فيه (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) فقالت عائشة : ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن ؛ إلا أن الله أنزل عذري.
وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن المنذر ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه عن محمد بن زياد قال : لما بايع معاوية لابنه ، قال مروان : سنّة أبي بكر وعمر ، فقال عبد الرّحمن : سنّة هرقل وقيصر ، فقال مروان : هذا الّذي قال الله فيه : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) الآية ، فبلغ ذلك عائشة فقالت : كذب مروان والله ما هو به ، ولو شئت أن أسمّي الّذي نزلت فيه لسمّيته ، ولكنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه ، فمروان من لعنه الله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال : هذا ابن لأبي بكر. وأخرج نحوه أبو حاتم عن السدّي ، ولا يصحّ هذا كما قدّمنا.