والمقاتة مصدران ، يقال : رجل مقيت وممقوت ؛ إذا لم يحبه الناس. قال الكسائي : (أَنْ تَقُولُوا) في موضع رفع ، لأن «كبر» فعل بمعنى بئس ، و «مقتا» منتصب على التمييز ، وعلى هذا فيكون في كبر ضمير مبهم مفسّر بالنكرة ، وأن «تقولوا» هو المخصوص بالذم ، ويجيء فيه الخلاف هل رفعه بالابتداء ، وخبره الجملة المتقدمة عليه ، أو خبره محذوف أو هو خبر مبتدأ محذوف. وقيل : إنه قصد بقوله كبر التعجب ، وقد عدّه ابن عصفور من أفعال التعجب. وقيل : إنه ليس من أفعال الذم ولا من أفعال التعجب ، بل هو مسند إلى «أن تقولوا» ، و «مقتا» تمييز محوّل عن الفاعل. (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا) قال المفسرون : إن المؤمنين قالوا : وددنا أن الله يخبرنا بأحبّ الأعمال إليه حتى نعمله ولو ذهبت فيه أموالنا وأنفسنا. فأنزل الله : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ) الآية ، وانتصاب «صفا» على المصدرية ، والمفعول محذوف ، أي : يصفون أنفسهم صفا ، وقيل : هو مصدر في موضع الحال ، أي : صافّين أو مصفوفين. قرأ الجمهور : (يُقاتِلُونَ) على البناء للفاعل. وقرأ زيد بن عليّ على البناء للمفعول ، وقرئ «يقتلون» بالتشديد ، وجملة (كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) في محل نصب على الحال من فاعل يقاتلون ، أو من الضمير في «صفا» على تقدير أنه مؤوّل بصافين أو مصفوفين ، ومعنى مرصوص : ملتصق بعضه ببعض ، يقال : رصصت البناء أرصّه رصّا ؛ إذا ضممت بعضه إلى بعض. قال الفرّاء : مرصوص بالرصاص. قال المبرد : هو مأخوذ من رصصت البناء ؛ إذا لاءمت بينه وقاربت حتى يصير كقطعة واحدة ، وقيل : هو من الرّصيص ، وهو ضمّ الأشياء بعضها إلى بعض ، والتراصّ : التلاصق. (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) لما ذكر سبحانه أنه يحبّ المقاتلين في سبيله بين أن موسى وعيسى أمرا بالتوحيد ، وجاهدا في سبيل الله ، وحلّ العقاب بمن خالفهما ، والظرف متعلّق بمحذوف هو اذكر ، وأي : اذكر يا محمد لهؤلاء المعرضين وقت قول موسى ، ويجوز أن يكون وجه ذكر قصة موسى وعيسى بعد محبة المجاهدين في سبيل الله التحذير لأمة محمد صلىاللهعليهوسلم أن يفعلوا مع نبيهم ما فعله قوم موسى وعيسى معهما (يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي) هذا مقول القول ، أي : لم تؤذونني بمخالفة ما آمركم به من الشرائع التي افترضها الله عليكم ، أو لم تؤذونني بالشتم والانتقاص ، ومن ذلك رميه بالأدرة ، وقد تقدّم بيان هذا في سورة الأحزاب ، وجملة (وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) في محل نصب على الحال ، و (قد) لتحقّق العلم أو لتأكيده ، وصيغة المضارع للدلالة على الاستمرار ، والمعنى : كيف تؤذونني مع علمكم بأني رسول الله ، والرسول يحترم ويعظم ، ولم يبق معكم شك في الرسالة لما قد شاهدتم من المعجزات التي توجب عليكم الاعتراف برسالتي ، وتفيدكم العلم بها علما يقينيا (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) أي : لما أصرّوا على الزيغ ، واستمرّوا عليه ، أزاغ الله قلوبهم عن الهدى ؛ وصرفها عن قبول الحقّ ، وقيل : فلما زاغوا عن الإيمان أزاغ الله قلوبهم عن الثواب. قال مقاتل : لما عدلوا عن الحق أمال الله قلوبهم عنه ، يعني أنهم لما تركوا الحقّ بإيذاء نبيهم أمال الله قلوبهم عن الحق جزاء بما ارتكبوا (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) هذه الجملة مقرّرة لمضمون ما قبلها. قال الزجاج : لا يهدي من سبق في علمه أنه فاسق ، والمعنى : أنه لا يهدي كل متّصف بالفسق وهؤلاء من جملتهم (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) معطوف على (وَإِذْ قالَ مُوسى) معمول لعامله ، أو