«أكن» على موضع فأصدق لأنه على معنى إن أخرتني أصدّق وأكن. وكذا قال أبو عليّ الفارسي وابن عطية وغيرهم. وقال سيبويه حاكيا عن الخليل : إنه جزم على توهم الشرط الّذي يدلّ عليه التمني ، وجعل سيبويه هذا نظير قول زهير :
بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى |
|
ولا سابق شيئا (١) إذا كان جائيا |
فخفض «ولا سابق» عطفا على «مدرك» الّذي هو خبر ليس على توهم زيادة الباء فيه. وقرأ أبو عمرو وابن محيصن ومجاهد «وأكون» بالنصب عطفا على «فأصدق» ، ووجهها واضح. ولكن قال أبو عبيد : رأيت في مصحف عثمان «وأكن» بغير واو ، وقرأ عبيد بن عمير : «وأكون» بالرفع على الاستئناف ، أي : وأنا أكون. قال الضحاك : لا ينزل بأحد الموت لم يحج ولم يؤدّ زكاة إلا سأل الرجعة ، وقرأ هذه الآية ؛ ثم أجاب الله سبحانه عن هذا المتمني فقال : (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها) أي : إذا حضر أجلها وانقضى عمرها (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) لا يخفى عليه شيء منه ، فهو مجازيكم بأعمالكم. قرأ الجمهور : (تَعْمَلُونَ) بالفوقية على الخطاب ، وقرأ أبو بكر عن عاصم والسلمي بالتحتية على الخبر.
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ) الآية قال : هم عباد من أمتي الصالحون منهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، وعن الصلوات الخمس المفروضة. وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من كان له مال يبلغه حجّ بيت الله ، أو تجب عليه فيه الزكاة ، فلم يفعل سأل الرجعة عند الموت ، فقال رجل : يا ابن عباس اتق الله ، فإنما يسأل الرجعة الكافر ، فقال : سأتلوا عليكم بذلك قرآنا : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلى آخر السورة». وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) قال : أحجّ.
* * *
__________________
(١). في الديوان ص (٢٨٧) : ولا سابقي شيء.