سورة التغابن
وهي مدنية في قول الأكثر. وقال الضحاك : هي مكية. وقال الكلبي : هي مدنية ومكية. وأخرج ابن الضريس وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس قال : نزلت سورة التغابن بالمدينة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله ، وأخرج النحاس عن ابن عباس قال : نزلت سورة التغابن بمكة إلا آيات من آخرها نزلن بالمدينة في عوف بن مالك الأشجعيّ ، شكا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم جفاء أهله وولده ، فأنزل الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) إلى آخر السورة (١). وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن عطاء بن يسار نحوه. وأخرج ابن حبان في «الضعفاء» ، والطبراني وابن مردويه وابن عساكر عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما من مولود يولد إلّا مكتوب في تشبيك رأسه خمس آيات من سورة التغابن» قال ابن كثير : وهو غريب جدّا ، بل منكر. وأخرج البخاري في تاريخه عن عبد الله بن عمرو قال : ما من مولود يولد إلّا مكتوب في تشبيك رأسه خمس آيات من أوّل سورة التغابن.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٥) ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٦))
قوله : (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي : ينزّهه سبحانه جميع مخلوقاته التي في سماواته وأرضه عن كل نقص وعيب (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ) يختصّان به ليس لغيره منهما شيء ، وما كان لعباده منهما فهو من فيضه وراجع إليه (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لا يعجزه شيء (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) أي : فبعضكم كافر وبعضكم مؤمن. قال الضحاك : فمنكم كافر في السرّ مؤمن في العلانية كالمنافق ، ومنكم مؤمن في السرّ كافر في العلانية كعمار بن ياسر ونحوه ممن أكره على الكفر. وقال عطاء : فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب ، ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب. قال الزجاج : إن الله خلق الكافر ، وكفره فعل له وكسب ، مع أن الله خالق الكفر. وخلق المؤمن وإيمانه فعل له وكسب ، مع أن
__________________
(١). التغابن : ١٤ ـ ١٨.