إلى ما تقدم من الأمر بالإشهاد وإقامة الشهادة لله ، وهو مبتدأ وخبره (يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) وخصّ المؤمن بالله واليوم الآخر ؛ لأنه المنتفع بذلك دون غيره (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) أي : من يتّق عذاب الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه والوقوف على حدوده التي حدّها لعباده وعدم مجاوزتها يجعل له مخرجا مما وقع فيه من الشدائد والمحن (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) أي : من وجه لا يخطر بباله ولا يكون في حسابه. قال الشعبي والضحاك : هذا في الطلاق خاصة ، أي : من طلّق كما أمره الله يكن له مخرج في الرجعة في العدة ، وأنه يكون كأحد الخطّاب بعد العدة. وقال الكلبي : ومن يتق الله بالصبر عند المصيبة يجعل له مخرجا من النار إلى الجنة. وقال الحسن : مخرجا ممّا نهى الله عنه. وقال أبو العالية : مخرجا من كل شيء ضاق على الناس. وقال الحسين بن الفضل : ومن يتق الله في أداء الفرائض يجعل له مخرجا من العقوبة ويرزقه الثواب من حيث لا يحتسب ، أي : يبارك له فيما آتاه. وقال سهل بن عبد الله : ومن يتق الله في اتباع السنة يجعل له مخرجا من عقوبة أهل البدع ويرزقه الجنة من حيث لا يحتسب ، وقيل غير ذلك. وظاهر الآية العموم ، ولا وجه للتخصيص بنوع خاص ويدخل ما فيه السياق دخولا أوليا (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) أي : ومن وثق بالله فيما نابه كفاه ما أهمّه (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) قرأ الجمهور : «بالغ أمره» بتنوين بالغ ونصب أمره ، وقرأ حفص بالإضافة ، وقرأ ابن أبي عبلة وداود بن أبي هند وأبو عمرو في رواية عنه بتنوين بالغ ورفع أمره على أنه فاعل بالغ ، أو على أن أمره مبتدأ مؤخر ، وبالغ خبر مقدم. قال الفراء في توجيه هذه القراءة : أي أمره بالغ ؛ والمعنى على القراءة الأولى والثانية : أن الله سبحانه بالغ ما يريده من الأمر ، لا يفوته شيء ، ولا يعجزه مطلوب ، وعلى القراءة الثالثة : أن الله نافذ أمره لا يردّه شيء. وقرأ المفضّل : «بالغا» بالنصب على الحال ، ويكون خبر إن قوله : (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) أي : تقديرا وتوقيتا ، أو مقدارا. فقد جعل سبحانه للشدة أجلا تنتهي إليه ، وللرخاء أجلا ينتهي إليه. وقال السدي : هو قدر الحيض والعدة (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ) وهنّ الكبار اللاتي قد انقطع حيضهن وأيسن منه (إِنِ ارْتَبْتُمْ) أي : شككتم وجهلتم كيف عدتهن (فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) لصغرهن وعدم بلوغهن سن المحيض ، أي : فعدتهنّ ثلاثة أشهر ، وحذف هذا لدلالة ما قبله عليه (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) أي : انتهاء عدتهن وضع الحمل ، وظاهر الآية أن عدة الحوامل بالوضع ، سواء كن مطلقات أو متوفّى عنهن ، وقد تقدم الكلام في هذا في سورة البقرة مستوفى ، وحقّقنا البحث في هذه الآية ، وفي الآية الأخرى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) (١) وقيل : معنى (إِنِ ارْتَبْتُمْ) إن تيقنتم ، ورجّح ابن جرير أنه بمعنى الشك وهو الظاهر. قال الزجاج : إن ارتبتم في حيضها وقد انقطع عنها الحيض وكانت ممّن يحيض مثلها. وقال مجاهد : (إِنِ ارْتَبْتُمْ) يعني لم تعلموا عدة الآيسة والتي لم تحض فالعدة هذه. وقيل : المعنى : إن ارتبتم في الدم الّذي يظهر منها هل هو حيض أم لا بل استحاضة ؛ فالعدة ثلاثة أشهر (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) أي : من يتّقه في امتثال
__________________
(١). البقرة : ٢٣٤.