يتبسّم ، وكان إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه ، قلت : يا رسول الله ، الناس إذا رأوا الغيم فرحوا أن يكون فيه المطر ، وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية ، قال : يا عائشة : وما يؤمنني أن يكون فيه عذاب ، قد عذب قوم بالرّيح وقد رأى قوم العذاب ، فقالوا : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا)». وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عنها قالت : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا عصفت الريح قال : «اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها وشرّ ما أرسلت به ، فإذا تخيّلت السماء تغيّر لونه ، وخرج ودخل ، وأقبل وأدبر ، فإذا مطرت سرّي عنه ، فسألته فقال : لا أدري ، لعله كما قال قوم عاد (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا)». وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب «السحاب» ، وأبو الشيخ في «العظمة» ، عن ابن عباس في قوله : (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) قالوا : غيم فيه مطر ، فأوّل ما عرفوا أنه عذاب رأوا ما كان خارجا من رجالهم ومواشيهم تطير بين السماء والأرض مثل الريش دخلوا بيوتهم وغلقوا أبوابهم ، فجاءت الريح ففتحت أبوابهم ومالت عليهم بالرمل ، فكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية أيام حسوما لهم أنين ، ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمل وطرحتهم في البحر ، فهو قوله : (فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ). وأخرج عبد بن حميد وابن جرير ، والحاكم وصحّحه ، عن ابن عباس قال : ما أرسل الله على عاد من الريح إلا قدر خاتمي هذا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) يقول : لم نمكّنكم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في الآية قال : عاد مكّنوا في الأرض أفضل ممّا مكّنت فيه هذه الأمة ، وكانوا أشدّ قوة وأكثر أموالا وأطول أعمارا.
(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤) فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (٣٥))
لمّا بيّن سبحانه أنّ في الإنس من آمن ، وفيهم من كفر ، بيّن أيضا أن في الجنّ كذلك ، فقال : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ) العامل في الظرف مقدّر ، أي : واذكر إذ صرفنا ، أي : وجّهنا إليك نفرا من الجنّ وبعثناهم إليك ، وقوله : (يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) في محل نصب صفة ثانية لنفرا أو حال لأن النكرة قد تخصّصت بالصفة الأولى (فَلَمَّا حَضَرُوهُ) أي : حضروا القرآن عند تلاوته ، وقيل : حضروا النبيّ صلىاللهعليهوسلم ،