(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) إلى قوله : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ) لعائشة وحفصة (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً) لقوله : بل شربت عسلا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه ، قال السيوطي : بسند صحيح ، عن ابن عباس قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم شرب من شراب عند سودة من العسل ، فدخل على عائشة فقالت : إني أجد منك ريحا ، فدخل على حفصة فقالت : إني أجد منك ريحا ، فقال : أراه من شراب شربته عند سودة ، والله لا أشربه أبدا ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ) الآية». وأخرج ابن سعد عن عبد الله بن رافع قال : سألت أم سلمة عن هذه الآية (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ) قالت : كانت عندي عكّة (١) من عسل أبيض ، فكان النبي صلىاللهعليهوسلم يلعق منها وكان يحبه ، فقالت له عائشة : نحلها تجرس عرفطا (٢) ، فحرّمها ، فنزلت الآية. وأخرج النسائي ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه عن أنس : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كانت له أمة يطؤها ، فلم تزل عائشة وحفصة حتى جعلها على نفسه حراما ، فأنزل الله هذه الآية (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ) وأخرج البزار والطبراني ، قال السيوطي : بسند صحيح ، عن ابن عباس قال : قلت لعمر بن الخطاب : من المرأتان اللتان تظاهرتا؟ قال : عائشة وحفصة ، وكان بدوّ الحديث في شأن مارية القبطية أم إبراهيم أصابها النبي صلىاللهعليهوسلم في بيت حفصة في يومها ، فوجدت حفصة فقالت : يا رسول الله لقد جئت إليّ بشيء ما جئته إلى أحد من أزواجك في يومي وفي دوري على فراشي ، قال : ألا ترضين أن أحرّمها فلا أقربها أبدا؟ قالت : بلى ، فحرّمها وقال : لا تذكري ذلك لأحد ، فذكرته لعائشة فأظهره الله عليه ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ) الآيات كلها ، فبلغنا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كفّر عن يمينه ، وأصاب مارية. وأخرجه ابن سعد وابن مردويه عنه بأطول من هذا. وأخرجه ابن مردويه أيضا من وجه آخر عنه بأخصر منه ، وأخرجه ابن المنذر والطبراني وابن مردويه عنه مختصرا بلفظ قال : حرّم سريته ، وجعل ذلك سبب النزول في جميع ما روي عنه من هذه الطرق ، وأخرج الهيثم بن كليب في مسنده ، والضياء المقدسي في المختارة ، من طريق نافع عن ابن عمر قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم لحفصة : لا تحدثي أحدا ، وإن أم إبراهيم عليّ حرام ، فقالت : أتحرم ما أحل الله لك؟ قال : فو الله لا أقربها. فلم يقربها حتى أخبرت عائشة ، فأنزل الله : (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ). وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن أبي هريرة أن سبب نزول الآية تحريم مارية كما سلف ، وسنده ضعيف. فهذان سببان صحيحان لنزول الآية ، والجمع ممكن بوقوع القصتين : قصة العسل ، وقصة مارية ، وأن القرآن نزل فيهما جميعا ، وفي كل واحد منهما أنه أسر الحديث إلى بعض أزواجه ، وأما ما قيل من أن السبب هو تحريم المرأة التي وهبت نفسها ، فليس في ذلك إلا ما روى ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) في المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلىاللهعليهوسلم. قال السيوطي : وسنده ضعيف. ويردّ هذا أيضا أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم
__________________
(١). «العكة» : زقّ صغير للسمن.
(٢). «تجرس» : تأكل. و «العرفط» : شجر.