يقبل تلك الواهبة لنفسها ، فكيف يصحّ أن يقال إنه نزل في شأنها : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) فإن من ردّ ما وهب له لم يصح أن يقال إنه حرمه على نفسه ، وأيضا لا ينطبق على هذا السبب قوله : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً) إلى آخر ما حكاه الله. وأما ما ثبت في الصحيحين وغيرهما : أن ابن عباس سأل عمر بن الخطاب عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأخبره أنهما عائشة وحفصة ، ثم ذكر قصة الإيلاء كما في الحديث الطويل ، فليس في هذا نفي لكون السبب هو ما قدمنا من قصة العسل وقصة السرية ، لأنه إنما أخبره بالمتظاهرتين ، وذكر فيه أن أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم يراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل ، وأن ذلك سبب الاعتزال لا سبب نزول : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ). ويؤيد هذا ما قدّمنا عن ابن عباس أنه قال لعمر : من المرأتان اللتان تظاهرتا؟ فأخبره بأنهما حفصة وعائشة ، وبيّن له أن السبب قصة مارية. هذا ما تيسّر من تلخيص سبب نزول الآية ، ودفع الاختلاف في شأنه ، فاشدد عليه يديك لتنجو به من الخبط والخلط الّذي وقع للمفسرين. وأخرج عبد الرزاق والبخاري وابن مردويه عن ابن عباس قال : في الحرام يكفر ، وقال : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (١). وأخرج ابن المنذر والطبراني والحاكم وابن مردويه عنه أنه جاءه رجل فقال : إني جعلت امرأتي عليّ حراما ، فقال : كذبت ليست عليك بحرام ، ثم تلا : (لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) قال : عليك أغلظ الكفّارات عتق رقبة. وأخرج الحارث ابن أبي أسامة عن عائشة قالت : «لما حلف أبو بكر أن لا ينفق على مسطح ، فأنزل الله : (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) فأحلّ يمينه وأنفق عليه». وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن عائشة في قوله : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً) قالت : أسرّ إليها أن أبا بكر خليفتي من بعدي. وأخرج ابن عدي ، وأبو نعيم في الصحابة ، والعشاري في فضائل الصديق ، وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن عليّ وابن عباس قال : والله إن إمارة أبي بكر وعمر لفي الكتاب : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً) قال لحفصة : «أبوك وأبو عائشة واليا الناس بعدي ، فإياك أن تخبري أحدا بهذا». قلت : وهذا ليس فيه أنه سبب نزول قوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) بل فيه أن الحديث الّذي أسره صلىاللهعليهوسلم هو هذا ، فعلى فرض أن له إسنادا يصلح للاعتبار هو معارض بما سبق من تلك الروايات الصحيحة ، وهي مقدّمة عليه ومرجّحة بالنسبة إليه. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) قال : زاغت وأثمت. وأخرج ابن المنذر عنه قال : مالك. وأخرج ابن عساكر من طريق عبد الله بن بريدة عن أبيه في قوله : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) قال : أبو بكر وعمر. وأخرج ابن عساكر عن ابن مسعود مثله.
وأخرج الطبراني وابن مردويه ، وأبو نعيم في فضائل الصحابة ، من وجه آخر عنه مثله. وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر وابن عباس مثله. وأخرج الحاكم عن أبي أمامة مرفوعا مثله. وأخرج ابن أبي حاتم ، قال السيوطي : بسند ضعيف ، عن عليّ مرفوعا قال : «هو عليّ بن أبي طالب». وأخرج ابن مردويه عن أسماء بنت عميس سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «(وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) عليّ بن أبي طالب». وأخرج ابن مردويه وابن
__________________
(١). الأحزاب : ٢١.