أقبل سيل جاء من عند الله |
|
يحرد حرد الجنّة المغلّة |
وقال أبو عبيد والمبرد والقتيبي : على حرد على منع ، من قولهم حاردت الإبل حردا ؛ إذا قلّت ألبانها ، والحرود من النوق هي القليلة اللبن. وقال السدّي وسفيان والشعبي (عَلى حَرْدٍ) على غضب ، ومنه قول الشاعر :
إذا جياد الخيل جاءت تردي |
|
مملوءة من غضب وحرد |
وقول الآخر :
تساقوا على حرد دماء الأساود
ومنه قيل : أسد حارد. وروي عن قتادة ومجاهد أيضا أنهما قالا : (عَلى حَرْدٍ) أي : على حسد. وقال الحسن أيضا : على حاجة وفاقة. وقيل : (عَلى حَرْدٍ) : على انفراد ، يقال : حرد يحرد حردا أو حرودا ؛ إذا تنحى عن قومه ونزل منفردا عنهم ولم يخالطهم ، وبه قال الأصمعي وغيره. وقال الأزهري : حرد اسم قريتهم ، وقال السدّي : اسم جنتهم. قرأ الجمهور (حَرْدٍ) بسكون الراء. وقرأ أبو العالية وابن السّميقع بفتحها ، وانتصاب (قادِرِينَ) على الحال. قال الفراء : ومعنى قادرين : قد قدّروا أمرهم وبنوا عليه ، وقال قتادة : قادرين على جنتهم عند أنفسهم. وقال الشعبي : يعني قادرين على المساكين (فَلَمَّا رَأَوْها) أي : لما رأوا جنتهم وشاهدوا ما قد حلّ بها من الآفة التي أذهبت ما فيها (قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) أي : قال بعضهم لبعض : قد ضللنا جنتنا وليست هذه ، ثم لما تأملوا وعلموا أنها جنتهم ، وأن الله سبحانه قد عاقبهم بإذهاب ما فيها من الثمر والزرع قالوا : (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) أي حرمنا جنتنا بسبب ما وقع منا من العزم على منع المساكين من خيرها ، فأضربوا عن قولهم الأوّل إلى هذا القول ، وقيل : معنى قولهم : (إِنَّا لَضَالُّونَ) أنهم ضلوا عن الصواب بما وقع منهم (قالَ أَوْسَطُهُمْ) أي : أمثلهم وأعقلهم وخيرهم (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) أي : هلّا تسبحون ، يعني تستثنون ، وسمّي الاستثناء تسبيحا ؛ لأنه تعظيم لله وإقرار به ، وهذا يدلّ على أن أوسطهم كان أمرهم بالاستثناء فلم يطيعوه ، وقال مجاهد وأبو صالح وغير هما : كان استثناؤهم تسبيحا. قال النحاس : أصل التسبيح التنزيه لله عزوجل ، فجعل التسبيح في موضع إن شاء الله. وقيل : المعنى : هلا تستغفرون الله من فعلكم وتتوبون إليه من هذه النية التي عزمتم عليها ، وكان أوسطهم قد قال لهم ذلك بعد مشاهدتهم للجنة على تلك الصفة (قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) أي : تنزيها له عن أن يكون ظالما فيما صنع بجنتنا ، فإن ذلك بسبب ذنبنا الّذي فعلناه ، وقيل : معنى تسبيحهم الاستغفار ، أي نستغفر ربنا من ذنبنا إنا كنا ظالمين لأنفسنا في منعنا للمساكين (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) أي : يلوم بعضهم بعضا في منعهم للمساكين وعزمهم على ذلك ، ثم نادوا على أنفسهم بالويل حيث (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) أي : عاصين متجاوزين حدود الله بمنع الفقراء وترك الاستثناء. قال ابن كيسان : أي : طغينا نعم الله فلم نشكرها كما شكرها أبونا من قبل ، ثم رجعوا إلى الله وسألوه أن يعوضهم بخير منها ،