وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، أي : ليس له دافع من الله ذي المعارج في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة تعرج الملائكة والروح إليه ، وقد قدّمنا الجمع بين هذه الآية وبين قوله في سورة السجدة : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) (١) فارجع إليه. وقد قيل في الجمع : إن من أسفل العالم إلى العرش خمسين ألف سنة ، ومن أعلى سماء الدنيا إلى الأرض ألف سنة ، لأن غلظ كل سماء خمسمائة عام ، وما بين أسفل السماء إلى قرار الأرض خمسمائة عام ، فالمعنى : أن الملائكة إذا عرجت من أسفل العالم إلى العرش كان مسافة ذلك خمسين ألف سنة ، وإن عرجوا من هذه الأرض التي نحن فيها إلى باطن هذه السماء التي هي سماء الدنيا كان مسافة ذلك ألف سنة ، وسيأتي في آخر البحث ما يؤيد هذا عن ابن عباس. ثم أمر الله سبحانه رسوله صلىاللهعليهوسلم بالصبر فقال : (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) أي : اصبر يا محمد على تكذيبهم لك وكفرهم بما جئت به صبرا جميلا ، لا جزع فيه ولا شكوى إلى غير الله ، وهذا معنى الصبر الجميل ، وقيل : هو أن يكون صاحب المصيبة في القوم لا يدرى بأنه مصاب. قال ابن زيد وغيره : هي منسوخة بآية السيف (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً) أي : يرون العذاب الواقع بهم ، أو يرون يوم القيامة بعيدا ، أي : غير كائن لأنهم لا يؤمنون به ، فمعنى (بَعِيداً) أي : مستبعدا محالا ، وليس المراد أنهم يرونه بعيدا غير قريب. قال الأعمش : يرون البعث بعيدا لأنهم لا يؤمنون به ، كأنهم يستبعدونه على جهة الاستحالة ، كما تقول لمن تناظره : هذا بعيد ، أي : لا يكون (وَنَراهُ قَرِيباً) أي : نعلمه كائنا قريبا ؛ لأن ما هو آت قريب. وقيل : المعنى : ونراه هينا في قدرتنا غير متعسّر ولا متعذّر ، والجملة تعليل للأمر بالصبر. ثم أخبر سبحانه متى يقع بهم العذاب ، فقال : (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) والظرف متعلّق بمضمر دلّ عليه واقع ، أو بدل من قوله : (فِي يَوْمٍ) على تقدير تعلّقه بواقع ، أو متعلّق بقريبا ، أو مقدّر بعده : أي يوم تكون إلخ كان كيت وكيت ، أو بدل من الضمير في نراه والأوّل أولى. والتقدير يقع بهم العذاب (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) والمهل : ما أذيب من النحاس والرصاص والفضة. وقال مجاهد : هو القيح من الصديد والدم. وقال عكرمة وغيره : هو درديّ الزيت ، وقد تقدّم تفسيره في سورة الكهف والدخان (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) أي : كالصوف المصبوغ ، ولا يقال للصوف عهن إلا إذا كان مصبوغا. قال الحسن : تكون الجبال كالعهن ، وهو الصوف الأحمر ، وهو أضعف الصوف ، وقيل : العهن : الصوف ذو الألوان ، فشبّه الجبال به في تكوّنها ألوانا كما في قوله : (جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ وَغَرابِيبُ سُودٌ) (٢) فإذا بست وطيرت في الهواء أشبهت العهن المنقوض إذا طيّرته الريح. (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) أي : لا يسأل قريب قريبه عن شأنه في ذلك اليوم لما نزل بهم من شدّة الأهوال التي أذهلت القريب عن قريبه ، والخليل عن خليله ، كما قال سبحانه : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) وقيل : المعنى : لا يسأل حميم عن حميم ، فحذف الحرف ووصل الفعل. قرأ الجمهور : (لا يَسْئَلُ) مبنيا للفاعل ، قيل : والمفعول الثاني محذوف ، والتقدير : لا يسأله نصره ولا شفاعته ، وقرأ أبو جعفر وأبو حيوة وشيبة وابن كثير
__________________
(١). السجدة : ٥.
(٢). فاطر : ٢٧.