يعمل في الحال ، وقيل : العامل فيها ما دلّ عليه الكلام من معنى التلظي ، أو النصب على الاختصاص ، والشوى : الأطراف ، أو جمع شواة ، وهي جلدة الرأس ، ومنه قول الأعشى :
قالت قتيلة ماله |
|
قد جلّلت شيبا شواته |
وقال الحسن وثابت البناني : (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) : أي : لمكارم الوجه وحسنه ، وكذا قال أبو العالية وقتادة. وقال قتادة : تبري اللحم والجلد عن العظم ؛ حتى لا تترك فيه شيئا. وقال الكسائي : هي المفاصل. وقال أبو صالح : هي أطراف اليدين والرجلين (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ) أي : تدعو لظى من أدبر عن الحقّ في الدنيا (وَتَوَلَّى) أي : أعرض عنه (وَجَمَعَ فَأَوْعى) أي : جمع المال فجعله في وعاء ، وقيل : إنها تقول إليّ يا مشرك ، إليّ يا منافق ، وقيل : معنى تدعو : تهلك ، تقول العرب : دعاك الله ، أي : أهلكك ، وقيل : ليس هو الدعاء باللسان ، ولكن دعاؤها إياهم تمكّنها من عذابهم ، وقيل : المراد أن خزنة جهنم تدعو الكافرين والمنافقين ، فأسند الدعاء إلى النار ؛ من باب إسناد ما هو للحال إلى المحلّ ، وقيل : هو تمثيل وتخييل ، ولا دعاء في الحقيقة ، والمعنى : أن مصيرهم إليها ، كما قال الشاعر :
ولقد هبطنا الواديين فواديا |
|
يدعو الأنيس به العضيض الأبكم |
والعضيض الأبكم : الذباب ، وهو لا يدعو (١).
وفي هذا ذمّ لمن جمع المال فأوعاه ، وكنزه ولم ينفقه في سبل الخير ، أو لم يؤدّ زكاته.
وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد والنسائي وابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (سَأَلَ سائِلٌ) قال : هو النضر بن الحارث قال : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) (٢) وفي قوله : (بِعَذابٍ واقِعٍ) قال : كائن (لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ـ مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ) قال : ذي الدرجات. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه في قوله : (سَأَلَ سائِلٌ) قال : سال : واد في جهنم. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله : (ذِي الْمَعارِجِ) قال : ذي العلوّ والفواضل. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) قال : منتهى أمره من أسفل الأرضين إلى منتهى أمره من فوق سبع سموات مقدار خمسين ألف سنة ، و «يوم كان مقداره ألف سنة» قال : يعني بذلك ينزل الأمر من السماء إلى الأرض ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد ، فذلك مقدار ألف سنة ؛ لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال : غلظ كل أرض خمسمائة عام ، وغلظ كل سماء خمسمائة عام ، وبين كل أرض إلى أرض خمسمائة عام ، ومن السماء إلى السماء خمسمائة عام ، فذلك أربعة عشر ألف عام ، وبين السماء
__________________
(١). في القرطبي (١٨ / ٢٨٩) : وإنما طنينه نبّه عليه فدعا إليه.
(٢). الأنفال : ٣٢.