أي : إذا أصابه الفقر والحاجة أو المرض أو نحو ذلك فهو جزوع ، أي : كثير الجزع ، وإذا أصابه الخير من الغنى والخصب والسعة ونحو ذلك فهو كثير المنع والإمساك. وقال أبو عبيدة : الهلوع : هو الّذي إذا مسّه الخير لم يشكر ، وإذا مسّه الشرّ لم يصبر. قال ثعلب : قد فسّر الله الهلوع ؛ هو الّذي إذا أصابه الشرّ أظهر شدّة الجزع ، وإذا أصابه الخير بخل به ومنعه الناس ، والعرب تقول : ناقة هلواعة وهلواع ؛ إذا كانت سريعة السير خفيفته ، ومنه قول الشاعر (١) :
صكّاء (٢) ذعلبة إذا استدبرتها |
|
حرج إذا استقبلتها هلواع |
والذعلبة : الناقة السريعة ، وانتصاب هلوعا وجزوعا ومنوعا على أنها أحوال مقدّرة ، أو محققة ؛ لكونها طبائع جبل الإنسان عليها ، والظرفان معمولان لجزوعا ومنوعا (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) أي : المقيمين للصلاة ، وقيل : المراد بهم أهل التوحيد ، يعني أنهم ليسوا على تلك الصفات من الهلع ، والجزع ، والمنع ، وأنهم على صفات محمودة وخلال مرضية ؛ لأن إيمانهم وما تمسّكوا به من التوحيد ودين الحق يزجرهم عن الاتصاف بتلك الصفات ، ويحملهم على الاتصاف بصفات الخير. ثم بيّنهم سبحانه ، فقال : (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) أي : لا يشغلهم عنها شاغل ، ولا يصرفهم عنها صارف ، وليس المراد بالدوام أنهم يصلون أبدا. قال الزجاج : هم الذين لا يزيلون وجوههم عن سمت القبلة. وقال الحسن وابن جريج : هو التطوع منها. قال النّخعي : المراد بالمصلين الذين يؤدّون الصلاة المكتوبة ، وقيل : الذين يصلونها لوقتها ، والمراد بالآية جميع المؤمنين ، وقيل : الصحابة خاصة ، ولا وجه لهذا التخصيص لاتصاف كل مؤمن بأنه من المصلين (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) قال قتادة ومحمد بن سيرين : المراد الزكاة المفروضة. وقال مجاهد : سوى الزكاة ، وقيل : صلة الرحم ، والظاهر أنه الزكاة لوصفه بكونه معلوما ولجعله قرينا للصلاة ، وقد تقدّم تفسير السائل والمحروم في سورة الذاريات مستوفى (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) أي : بيوم الجزاء ، وهو يوم القيامة لا يشكّون فيه ولا يجحدونه ، وقيل : يصدّقونه بأعمالهم فيتعبون أنفسهم في الطاعات (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) أي : خائفون وجلون ؛ مع ما لهم من أعمال الطاعة استحقارا لأعمالهم ، واعترافا بما يجب لله سبحانه عليهم. وجملة (إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) مقرّرة لمضمون ما قبلها ، مبينة أن ذلك ممّا لا ينبغي أن يأمنه أحد ، وأن حق كلّ أحد أن يخافه (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) إلى قوله : (فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) قد تقدم تفسيره في سورة المؤمنين مستوفى (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) أي : لا يخلّون بشيء من الأمانات التي يؤتمنون عليها ، ولا ينقضون شيئا من العهود التي يعقدونها على أنفسهم. قرأ الجمهور : (لِأَماناتِهِمْ) بالجمع ، وقرأ ابن كثير وابن محيصن لأمانتهم بالإفراد ، والمراد الجنس (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ) أي : يقيمونها على من كانت عليه من قريب أو بعيد ، أو رفيع أو وضيع ، ولا يكتمونها ولا يغيّرونها ، وقد تقدّم القول في الشهادة في سورة البقرة ، قرأ الجمهور : (بشهادتهم)
__________________
(١). هو المسيب بن علس.
(٢). «صكاء» : شبيهة بالنعامة.