له ، وإخباره لعليّ بن أبي طالب بخبر ذي الثدية ، ونحو هذا مما يكثر تعدده ، ولو جمع لجاء منه مصنف مستقلّ. وإذا تقرّر هذا فلا مانع من أن يختصّ بعض صلحاء هذه الأمة بشيء من أخبار الغيب التي أظهرها الله لرسوله ، وأظهرها رسوله لبعض أمته ؛ وأظهرها هذا البعض من الأمة لمن بعدهم ، فتكون كرامات الصالحين من هذا القبيل ، والكل من الفيض الرّباني بواسطة الجناب النبويّ.
ثم ذكر سبحانه أنه يحفظ ذلك الغيب الّذي يطلع عليه الرسول فقال : (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) والجملة تقرير للإظهار المستفاد من الاستثناء ، والمعنى : أنه يجعل سبحانه بين يدي الرسول ومن خلفه حرسا من الملائكة يحرسونه من تعرّض الشياطين لما أظهره عليه من الغيب ، أو يجعل بين يدي الوحي وخلفه حرسا من الملائكة يحوطونه من أن تسترقه الشياطين ، فتلقيه إلى الكهنة ، والمراد من جميع الجوانب. قال الضحاك : ما بعث الله نبيا إلا ومعه ملائكة يحفظونه من الشياطين أن يتشبهوا بصورة الملك ، فإذا جاءه شيطان في صورة الملك قالوا : هذا شيطان فاحذره ، وإن جاءه الملك قالوا : هذا رسول ربك. قال ابن زيد : (رَصَداً) أي : حفظة يحفظون النبيّ صلىاللهعليهوسلم من أمامه وورائه من الجنّ والشياطين. قال قتادة وسعيد بن المسيب : هم أربعة من الملائكة حفظة. وقال الفراء : المراد جبريل. قال في الصحاح : الرّصد : القوم يرصدون كالحرس ، يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث ، والرصد للشيء : الراقب له ، يقال : رصده يرصده رصدا ورصدا والترصّد : الترقّب ، والمرصد : موضع الرّصد (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ) اللام متعلق بيسلك ، والمراد به العلم المتعلق بالإبلاغ الموجود بالفعل ، وأن هي المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن ، والخبر الجملة ، والرسالات : عبارة عن الغيب الّذي أريد إظهاره لمن ارتضاه الله من رسول ، وضمير «أبلغوا» يعود إلى الرصد. وقال قتادة ومقاتل : ليعلم محمد أن الرسل قبله قد أبلغوا الرسالة كما بلّغ هو الرسالة ، وفيه حذف تتعلق به اللام ، أي : أخبرناه بحفظنا الوحي ليعلم أن الرسل قبله كانوا على حالته من التبليغ. وقيل : ليعلم محمد أن جبريل ومن معه قد أبلغوا إليه رسالات ربه ، قاله سعيد بن جبير. وقيل : ليعلم الرسل أن الملائكة قد بلّغوا رسالات ربهم. وقيل : ليعلم إبليس أن الرسل قد أبلغوا رسالات ربهم من غير تخليط. وقال ابن قتيبة : أي ليعلم الجنّ أن الرسل قد أبلغوا ما أنزل إليهم ، ولم يكونوا هم المبلغين باستراق السّمع عليهم. وقال مجاهد : ليعلم من كذب الرسل أن الرسل قد بلّغوا رسالات ربهم. قرأ الجمهور «ليعلم» بفتح التحتية على البناء للفاعل. وقرأ ابن عباس ومجاهد وحميد ويعقوب وزيد بن علي بضمها على البناء للمفعول ، أي : ليعلم الناس أن الرسل قد أبلغوا. وقال الزجاج : ليعلم الله أن رسله قد أبلغوا رسالاته ، أي : ليعلم ذلك عن مشاهدة كما علمه غيبا. وقرأ ابن أبي عبلة والزهري بضم الياء وكسر اللام (وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ) أي : بما عنده الرصد من الملائكة ، أو بما عند الرسل المبلّغين لرسالاته ، والجملة في محل نصب على الحال من فاعل يسلك بإضمار قد ، أي : والحال أنه تعالى قد أحاط بما لديهم من الأحوال. قال سعيد ابن جبير : ليعلم أن ربهم قد أحاط بما لديهم فبلغوا رسالاته (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) من جميع الأشياء التي كانت والتي ستكون ، وهو معطوف على أحاط ، وعددا يجوز أن يكون منتصبا على التمييز محوّلا من المفعول