واختلف في الناسخ لهذا الأمر ، فقيل : هو قوله : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) (١) إلى آخر السورة ، وقيل : هو قوله : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) (٢) وقيل : هو قوله : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) (٣) وقيل : هو منسوخ بالصلوات الخمس ، وبهذا قال مقاتل والشافعي وابن كيسان ، وقيل : هو قوله : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) (٤) وذهب الحسن وابن سيرين إلى أن صلاة الليل فريضة على كل مسلم ولو قدر حلب شاة (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) أي : اقرأه على مهل مع تدبّر. قال الضحاك : اقرأه حرفا حرفا. قال الزجاج : هو أن يبيّن جميع الحروف ، ويوفي حقها من الإشباع. وأصل الترتيل : التنضيد والتنسيق وحسن النظام ، وتأكيد الفعل بالمصدر يدلّ على المبالغة على وجه لا يلتبس فيه بعض الحروف ببعض ، ولا ينقص من النطق بالحرف من مخرجه المعلوم من استيفاء حركته المعتبرة (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) أي : سنوحي إليك القرآن ، وهو قول ثقيل. قال قتادة : ثقيل والله فرائضه وحدوده. قال مجاهد : حلاله وحرامه. قال الحسن : العمل به. قال أبو العالية : ثقيلا بالوعد والوعيد ، والحلال والحرام. وقال محمد بن كعب : ثقيل على المنافقين والكفار ؛ لما فيه من الاحتجاج عليهم ، والبيان لضلالهم ، وسبّ آلهتهم. وقال السدّي : ثقيل بمعنى : كريم ، ومن قولهم : فلان ثقيل عليّ ، أي : يكرم عليّ ، قال الفراء : ثقيلا : رزينا ليس بالخفيف السّفساف ؛ لأنه كلام ربّنا. وقال الحسين بن الفضل : ثقيلا لا يحمله إلا قلب مؤيّد بالتوفيق ، ونفس مزيّنة بالتوحيد. وقيل : وصفه بكونه ثقيلا حقيقة لما ثبت أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها (٥) على الأرض ، فما تستطيع أن تتحرّك حتى يسرّى (٦) عنه (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ) أي : ساعاته وأوقاته ، لأنها تنشأ أوّلا فأولا ، يقال : نشأ الشيء ينشأ ؛ إذا ابتدأ وأقبل شيئا بعد شيء فهو ناشئ ، وأنشأه الله فنشأ ، ومنه نشأت السحاب ؛ إذا بدأت ، فناشئة فاعلة من نشأت تنشأ فهي ناشئة. قال الزجاج : ناشئة الليل كل ما نشأ منه ؛ أي حدث ، فهو ناشئة. قال الواحدي : قال المفسرون : الليل كله ناشئة ، والمراد أن ساعات الليل الناشئة ، فاكتفي بالوصف عن الاسم الموصوف. وقيل : إن ناشئة الليل هي النفس التي تنشأ من مضجعها للعبادة : أي تنهض ، من نشأ من مكانه : إذا نهض. وقيل : الناشئة بالحبشية قيام الليل ، وقيل : إنما يقال لقيام الليل ناشئة إذا كان بعد نوم. قال ابن الأعرابي : إذا نمت من أوّل الليل ثم قمت فتلك المنشأة والنشأة ، ومنه : ناشئة الليل. قيل : وناشئة الليل هي : ما بين المغرب والعشاء ، لأن معنى نشأ ابتدأ ، ومنه قول نصيب :
ولو لا أن يقال صبا نصيب |
|
لقلت بنفسي النّشأ الصّغار |
قال عكرمة وعطاء : إن ناشئة الليل : بدوّ الليل. وقال مجاهد وغيره : هي في الليل كلّه ؛ لأنه ينشأ بعد النهار ، واختار هذا مالك. وقال ابن كيسان : هي القيام من آخر الليل. قال في الصحاح : ناشئة الليل أوّل
__________________
(١). المزمل : ٢٠.
(٢). المزمل : ٢٠.
(٣). المزمل : ٢٠.
(٤). المزمل : ٢٠.
(٥). «جرانها» : أي صدرها.
(٦). أي الوحي.