قال مجاهد : هو الزّقّوم. وقال الزجاج : هو الضريع كما قال : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) (١) قال : وهو شوك العوسج. قال عكرمة : هو شوك يأخذ بالحلق لا يدخل ولا يخرج ، والغصّة : الشّجا في الحلق ، وهو ما ينشب فيه من عظم أو غيره ، وجمعها : غصص (وَعَذاباً أَلِيماً) أي : ونوعا آخر من العذاب غير ما ذكر (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) انتصاب الظرف إما بذرني ، أو بالاستقرار المتعلّق به لدينا ، أو هو صفة لعذاب فيتعلق بمحذوف ، أي : عذابا واقعا يوم ترجف ، أو متعلّق بأليما. قرأ الجمهور : (تَرْجُفُ) بفتح التاء وضم الجيم مبنيا للفاعل ، وقرأ زيد بن عليّ على البناء للمفعول ، مأخوذ من أرجفها ، والمعنى : تتحرك وتضطرب بمن عليها ، والرجفة : الزلزلة والرعدة الشديدة (وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً) أي : وتكون الجبال ، وإنما عبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه ، والكثيب : الرمل المجتمع ، والمهيل : الّذي يمرّ تحت الأرجل. قال الواحدي : أي رملا سائلا ، يقال لكل شيء أرسلته إرسالا من تراب أو طعام : أهلته هيلا. قال الضحاك والكلبي : المهيل : الّذي إذا وطئته بالقدم زلّ من تحتها ، وإذا أخذت أسفله انهال ، ومنه قول حسان :
عرفت ديار زينب بالكثيب |
|
كخطّ الوحي في الورق القشيب (٢) |
(إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ) الخطاب لأهل مكة ، أو لكفار العرب ، أو لجميع الكفار ، والرسول محمد صلىاللهعليهوسلم ، والمعنى : يشهد عليكم يوم القيامة بأعمالكم (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً) يعني موسى (فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) الّذي أرسلناه إليه ، وكذّبه ، ولم يؤمن بما جاء به ، ومحل الكاف النصب على أنها نعت لمصدر محذوف ، والمعنى : إنا أرسلنا إليكم رسولا فعصيتموه ، كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصاه (فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً) أي : شديدا ثقيلا غليظا ، والمعنى : عاقبنا فرعون عقوبة شديدة غليظة بالغرق ؛ وفيه تخويف لأهل مكة أنه سينزل بهم من العقوبة مثل ما نزل به ؛ وإن اختلف نوع العقوبة. قال الزجاج : أي ثقيلا غليظا ، ومنه قيل للمطر : وابل. وقال الأخفش : شديدا ، والمعنى متقارب ، ومنه طعام وبيل ؛ إذا كان لا يستمرأ ، ومنه قول الخنساء :
لقد أكلت بجيلة يوم لاقت |
|
فوارس مالك أكلا وبيلا |
(فَكَيْفَ تَتَّقُونَ) أي : كيف تقون أنفسكم (إِنْ كَفَرْتُمْ) أي : إن بقيتم على كفركم (يَوْماً) أي : عذاب يوم (يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) لشدّة هوله ، أي : يصير الولدان شيوخا ، والشيب : جمع أشيب ، وهذا يجوز أن يكون حقيقة ، وأنهم يصيرون كذلك ، أو تمثيلا ؛ لأن من شاهد الهول العظيم تقاصرت قواه ، وضعفت أعضاؤه ، وصار كالشيخ في الضعف وسقوط القوّة ، وفي هذا تقريع لهم شديد وتوبيخ عظيم. قال الحسن : أي كيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم ، وكذا قرأ ابن مسعود وعطية ، و «يوما» مفعول به لتتقون. قال ابن الأنباري : ومنهم من نصب اليوم بكفرتم ، وهذا قبيح. والولدان : الصبيان. ثم زاد في
__________________
(١). الغاشية : ٦.
(٢). «الوحي» : ـ هنا ـ الكتابة. «القشيب» : الجديد.