وصف ذلك اليوم بالشدّة فقال : (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) أي : متشققة به بشدّته وعظيم هوله ، والجملة صفة أخرى ليوم ، والباء سببية ، وقيل : هي بمعنى في ، أي : منفطر فيه ، وقيل : بمعنى اللام ، أي : منفطر له ، وإنما قال منفطر ولم يقل منفطرة لتنزيل السماء منزلة شيء لكونها قد تغيرت ، ولم يبق منها إلا ما يعبّر عنه بالشيء. وقال أبو عمرو بن العلاء : لم يقل منفطرة ؛ لأن مجازها (١) السقف ، كما قال الشاعر :
فلو رفع السّماء إليه قوما |
|
لحقنا بالسّماء وبالسّحاب |
فيكون هذا كما في قوله : (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً) وقال الفرّاء : السماء تذكّر وتؤنّث. وقال أبو عليّ الفارسي : هو من باب الجراد المنتشر ، والشجر الأخضر ، و (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) (٢) قال أيضا : أي السماء ذات انفطار كقولهم : امرأة مرضع ، أي : ذات إرضاع على طريق النسب ، وانفطارها لنزول الملائكة ، كما قال : (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) (٣) وقوله : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَ) (٤) وقيل : منفطر به ، أي : بالله ، والمراد بأمره ، والأوّل أولى (كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً) أي : وكان وعد الله بما وعد به من البعث والحساب وغير ذلك كائنا لا محالة ، والمصدر مضاف إلى فاعله ، أو : وكان وعد اليوم مفعولا ، فالمصدر مضاف إلى مفعوله. وقال مقاتل : كان وعده أن يظهر دينه على الدّين كلّه.
وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ، ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة ، والبيهقي في سننه ، عن سعد بن هشام قال : قلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قالت : ألست تقرأ هذه السورة (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) (٥) قلت : بلى ، قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أوّل هذه السورة ، فقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم ، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهرا ، ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة ، فصار قيام الليل تطوّعا من بعد فرضه» وقد روي هذا الحديث عنها من طرق. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني ، والحاكم وصحّحه ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس قال : لما نزلت أوّل المزمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها ، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر عن أبي عبد الرّحمن السّلمي قال : لما نزلت (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) قاموا حولا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) (٦) فاستراح الناس. وأخرج أبو داود في ناسخه ، وابن نصر وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : في المزمل (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً ـ نِصْفَهُ) نسختها الآية التي فيها (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) وناشئة الليل أوّله. كانت صلاتهم أوّل الليل. يقول : هذا أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل ، وذلك أن الإنسان
__________________
(١). «مجازها» : معناها.
(٢). القمر : ٢٠.
(٣). الانفطار : ١.
(٤). الشورى : ٥.
(٥). المزمل : ١.
(٦). المزمل : ٢٠.