سورة المدّثّر
وهي مكية بلا خلاف وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت سورة المدثر بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله ، وسيأتي أن أوّل هذه السورة أوّل ما نزل من القرآن.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠) ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠))
قال الواحدي : قال المفسرون : لما بدئ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالوحي أتاه جبريل ، فرآه رسول الله صلىاللهعليهوسلم على سرير بين السماء والأرض كالنور المتلألئ ، ففزع ووقع مغشيّا عليه ، فلما أفاق دخل على خديجة ودعا بماء فصبّه عليه ، وقال : «دثروني دثروني» فدثروه بقطيفة ، فقال : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ـ قُمْ فَأَنْذِرْ) ومعنى (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) : يا أيها الّذي قد تدثّر بثيابه ، أي : تغشّى بها ، وأصله المتدثر ، فأدغمت التاء في الدال لتجانسهما. وقد قرأ الجمهور بالإدغام ، وقرأ أبيّ «المتدثر» على الأصل ، والدثار : هو ما يلبس فوق الشعار ، والشعار : هو الّذي علي الجسد ، وقال عكرمة : المعنى يا أيها المدّثّر بالنبوّة وأثقالها. قال ابن العربي : وهذا مجاز بعيد لأنه لم يكن نبيا إذ ذاك. (قُمْ فَأَنْذِرْ) أي : انهض فخوّف أهل مكة ، وحذّرهم العذاب إن لم يسلموا ، أو قم من مضجعك ، أو قم قيام عزم وتصميم. وقيل : الإنذار هنا هو إعلامهم بنبوتّه ، وقيل : إعلامهم بالتوحيد. وقال الفراء : المعنى قم فصّل وأمر بالصلاة (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) أي : واختصّ سيدك ومالك ومصلح أمورك بالتكبير ، وهو وصفه سبحانه بالكبرياء والعظمة ، وأنه أكبر من أن يكون له شريك كما يعتقده الكفار ، وأعظم من أن يكون له صاحبة ، أو ولد. قال ابن العربي : المراد به تكبير التقديس والتنزيه بخلع الأضداد والأنداد والأصنام ، ولا يتخذ وليا غيره ، ولا يعبد سواه ، ولا يرى لغيره فعلا إلا له ، ولا نعمة إلا منه. قال الزجاج : إن الفاء في «فكبر» دخلت على معنى الجزاء كما دخلت في «فأنذر». وقال ابن جني : هو كقولك زيدا فاضرب ، أي : زيدا اضرب ، فالفاء زائدة (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) المراد بها الثياب