صَعُوداً) أي : سأكلّفه مشقّة من العذاب ، وهو مثل لما يلقاه من العذاب الصعب الّذي لا يطاق ، وقيل : المعنى : إنه يكلف أن يصعد جبلا من نار ، والإرهاق في كلام العرب : أن يحمل الإنسان الشيء الثقيل. وجملة : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ) تعليل لما تقدّم من الوعيد ، أي : إنه فكّر في شأن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وما أنزل عليه من القرآن ، وقدّر في نفسه ، أي : هيّأ الكلام في نفسه ، والعرب تقول : هيأت الشيء ؛ إذا قدّرته ، وقدرت الشيء ؛ إذا هيأته ، وذلك أنه لما سمع القرآن لم يزل يفكر ماذا يقول فيه ، وقدّر في نفسه ما يقول ، فذمّه الله وقال : (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) أي : لعن وعذّب كيف قدّر ، أي : على أيّ حال قدر ما قدر من الكلام ، كما يقال في الكلام : لأضربنه كيف صنع ، أي : على أيّ حال كانت منه ، وقيل : المعنى : قهر وغلب كيف قدّر ، ومنه قول الشاعر (١) :
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي |
|
بسهميك في أعشار قلب مقتّل |
وقال الزهري : عذّب ، وهو من باب الدعاء عليه. والتكرير في قوله : (ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) للمبالغة والتأكيد (ثُمَّ نَظَرَ) أي : بأيّ شيء يدفع القرآن ويقدح فيه ، أو فكّر في القرآن وتدبّر ما هو (ثُمَّ عَبَسَ) أي : قطّب وجهه لمّا لم يجد مطعنا يطعن به في القرآن ، والعبس : مصدر عبس مخفّفا يعبس عبسا وعبوسا ؛ إذا قطّب ، وقيل : عبس في وجوه المؤمنين ، وقيل : عبس في وجه النبيّ صلىاللهعليهوسلم (وَبَسَرَ) أي : كلح وجهه وتغيّر ، ومنه قول الشاعر (٢) :
صبحنا تميما غداة الجفار |
|
بشهباء ملمومة بأسره (٣) |
وقول الآخر (٤) :
وقد رابني منها صدود رأيته |
|
وإعراضها عن حاجتي وبسورها |
وقيل : إن ظهور العبوس في الوجه يكون بعد المحاورة ، وظهور البسور في الوجه قبلها ، والعرب تقول : وجه باسر ؛ إذا تغير واسودّ. وقال الراغب : البسر : استعجال الشرّ قبل أوانه ، نحو بسر الرجل حاجته ، أي : طلبها في غير أوانها. قال : ومنه قوله : (عَبَسَ وَبَسَرَ) أي : أظهر العبوس قبل أوانه وقبل وقته ، وأهل اليمن يقولون : بسر المركب وأبسر ، أي : وقف لا يتقدّم ولا يتأخر ، وقد أبسرنا ، أي : صرنا إلى البسور (ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ) أي : أعرض عن الحقّ ، وذهب إلى أهله ، وتعظّم عن أن يؤمن ، (فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) أي : يأثره عن غيره ويرويه عنه. والسّحر : إظهار الباطل في صورة الحقّ ، أو
__________________
(١). هو امرؤ القيس.
(٢). هو بشر بن أبي خازم.
(٣). «الجفار» : اسم موضع. «ملمومة» : مجتمعة.
(٤). هو توبة بن الحمير.