(وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١) كَلاَّ وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧))
لما نزل قوله سبحانه : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) قال أبو جهل : أما لمحمد من الأعوان إلا تسعة عشر يخوفكم محمد بتسعة عشر وأنتم الدّهم (١) ، أفيعجز كل مائة رجل منكم أن يبطشوا بواحد منهم ثم يخرجون من النار؟ فقال أبو الأشدّ ، وهو رجل من بني جمح : يا معشر قريش إذا كان يوم القيامة ، فأنا أمشي بين أيديكم ، فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن وتسعة بمنكبي الأيسر ونمضي ندخل الجنة ، فأنزل الله : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) يعني : ما جعلنا المدبّرين لأمر النار القائمين بعذاب من فيها إلا ملائكة ، فمن يطيق الملائكة؟ ومن يغلبهم؟ فكيف تتعاطون أيها الكفار مغالبتهم؟ وقيل : جعلهم ملائكة لأنهم خلاف جنس المخلوقين من الجنّ والإنس ، فلا يأخذهم ما يأخذ المجالس من الرقة والرأفة ، وقيل : لأنهم أقوم خلق الله بحقه والغضب له ، وأشدهم بأسا وأقواهم بطشا (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً) أي : ضلالة (لِلَّذِينَ) استقلوا عددهم ، ومحنة لهم ، والمعنى : ما جعلنا عددهم هذا العدد المذكور في القرآن إلا ضلالة ومحنة لهم ، حتى قالوا ما قالوا ليتضاعف عذابهم ، ويكثر غضب الله عليهم. وقيل : معنى إلا فتنة إلا عذابا ؛ كما في قوله : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) (٢) أي : يعذبون ، واللام في قوله : (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) متعلّق بجعلنا ، والمراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى لموافقة ما نزل من القرآن بأن عدّة خزنة جهنم تسعة عشر لما عندهم. قاله قتادة والضحاك ومجاهد وغيرهم ، والمعنى : أن الله جعل عدّة الخزنة هذه العدّة ليحصل اليقين لليهود والنصارى بنبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم لموافقة ما في القرآن لما في كتبهم (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً) وقيل : المراد الذين آمنوا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام ، وقيل : أراد بالذين آمنوا : المؤمنين من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، والمعنى : ليزدادوا يقينا إلى يقينهم لما رأوا من موافقة أهل الكتاب لهم ، وجملة : (وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ) مقرّرة لما تقدّم من الاستيقان وازدياد الإيمان ، والمعنى : نفي الارتياب عنهم في الدين ، أو : في أن عدّة خزنة جهنم تسعة عشر ، ولا ارتياب في الحقيقة من المؤمنين ، ولكنه من باب التعريض لغيرهم ممن في قلبه شك (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) المراد بالذين في قلوبهم مرض هم المنافقون ، والسورة وإن كانت مكية ولم يكن إذ ذاك نفاق ، فهو إخبار بما سيكون في المدينة ، أو المراد بالمرض مجرّد حصول الشكّ والريب ، وهو كائن في الكفار. قال الحسين بن الفضل : السورة مكية ولم يكن بمكة نفاق ، فالمرض في هذه الآية الخلاف ، والمراد بقوله : (وَالْكافِرُونَ) كفار العرب من أهل
__________________
(١). «الدهم» : العدد الكثير.
(٢). الذاريات : ١٣.