من يفعل الخير لا يعدم جوازيه |
|
لا يذهب العرف بين الله والنّاس |
أو على أنه حال بمعنى متابعة ؛ ويتبع بعضها بعضا كعرف الفرس ، تقول العرب : سار الناس إلى فلان عرفا واحدا ؛ إذا توجهوا إليه ، وهم على فلان كعرف الضبع ؛ إذا تألبوا عليه ، أو على أنه مصدر كأنه قال : والمرسلات إرسالا ، أي : متتابعة ، أو على أنه منصوب بنزع الخافض ، أي : والمرسلات بالعرف. قرأ الجمهور : «عرفا» بسكون الراء ، وقرأ عيسى بن عمر بضمها ، وقيل : المراد بالمرسلات السحاب لما فيها من نعمة ونقمة (فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً) وهي الرياح الشديدة الهبوب. قال القرطبي : بغير اختلاف ، يقال : عصف بالشيء ؛ إذا أباده وأهلكه ، وناقة عصوف ، أي : تعصف براكبها فتمضي كأنها ريح في السرعة ، ويقال : عصفت الحرب بالقوم ؛ إذا ذهبت بهم ، وقيل : هي الملائكة الموكلون بالرياح يعصفون بها ، وقيل : يعصفون بروح الكافر ، وقيل : هي الآيات المهلكة كالزلازل ونحوها (وَالنَّاشِراتِ نَشْراً) يعني الرياح تأتي بالمطر وهي تنشر السحاب نشرا ، أو الملائكة الموكلون بالسحاب ينشرونها ، أو ينشرون أجنحتهم في الجوّ عند النزول بالوحي ، أو هي الأمطار لأنها تنشر النبات. وقال الضحاك : يريد ما ينشر من الكتب وأعمال بني آدم. وقال الربيع : إنه البعث للقيامة بنشر الأرواح ، وجاء بالواو هنا لأنه استئناف قسم آخر (فَالْفارِقاتِ فَرْقاً) يعني الملائكة تأتي بما يفرّق بين الحق والباطل والحلال والحرام. وقال مجاهد : هي الريح تفرق بين السحاب فتبدّده. وروي عنه أنها آيات القرآن تفرق بين الحق والباطل ، وقيل : هي الرسل فرقوا ما بين ما أمر الله به ونهى عنه ، وبه قال الحسن ، (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً) هي الملائكة. قال القرطبي : بإجماع ، أي : تلقي الوحي إلى الأنبياء ، وقيل : هو جبريل ، وسمّي باسم الجمع تعظيما له ، وقيل : هي الرسل يلقون إلى أممهم ما أنزل الله عليهم ، قاله قطرب. قرأ الجمهور : «فالملقيات» بسكون اللام وتخفيف القاف اسم فاعل ، وقرأ ابن عباس بفتح اللام وتشديد القاف من التلقية وهي إيصال الكلام إلى المخاطب ، والراجح أن الثلاثة الأول للرياح ، والرابع والخامس للملائكة ، وهو الّذي اختاره الزجاج والقاضي وغيرهما (عُذْراً أَوْ نُذْراً) انتصابهما على البدل من ذكرا ، أو على المفعولية ، والعامل فيهما المصدر المنوّن ، كما في قوله : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ـ يَتِيماً) (١) أو على المفعول لأجله : أي للإعذار والإنذار ، أو على الحال بالتأويل المعروف ، أي : معذرين أو منذرين. قرأ الجمهور بإسكان الذال فيهما. وقرأ زيد بن ثابت وابنه خارجة ابن زيد وطلحة بضمهما. وقرأ الحرميان وابن عامر وأبو بكر بسكونها في (عُذْراً) وضمها في (نُذْراً). وقرأ الجمهور : «عذرا أو نذرا» على العطف بأو. وقرأ إبراهيم التيمي وقتادة على العطف بالواو بدون ألف ، والمعنى : أن الملائكة تلقي الوحي عذرا إلى خلقه وإنذارا من عذابه ، كذا قال الفراء : وقيل : عذرا للمحقّين ونذرا للمبطلين. قال أبو علي الفارسي : يجوز أن يكون العذر والنذر بالتثقيل جمع عاذر وناذر كقوله : (هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى) (٢) فيكون نصبا على الحال من الإلقاء ، أي : يلقون الذكر في حال العذر والإنذار ،
__________________
(١). البلد : ١٤ ـ ١٥.
(٢). النجم : ٥٦.