ملتفة بحذف الزوائد. قال الفراء : الجنة : ما فيه النخيل ، والفردوس : ما فيه الكرم (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً) أي : وقتا ومجمعا وميعادا للأوّلين والآخرين يصلون فيه إلى ما وعدوا به من الثواب والعقاب ، وسمّي يوم الفصل ؛ لأنّ الله يفصل فيه بين خلقه ، وهذا شروع في بيان ما يتساءلون عنه من البعث ، وقيل : معنى ميقاتا ؛ أنه حدّ توقت به الدنيا وتنتهي عنده ، وقيل : حدّ للخلائق ينتهون إليه (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) أي : يوم ينفخ في الصور ، وهو القرن الّذي ينفخ فيه إسرافيل ، والمراد هنا النفخة الثانية التي تكون للبعث (فَتَأْتُونَ) أي : إلى موضع العرض (أَفْواجاً) أي : زمرا زمرا ، وجماعات جماعات ، وهي جمع فوج ، وانتصاب (يَوْمَ يُنْفَخُ) على أنه بدل من يوم الفصل ، أو بيان له مفيد لزيادة تفخيمه وتهويله وإن كان الفصل متأخرا عن النفخ ، ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار أعني ، وانتصاب أفواجا على الحال من فاعل «تأتون» ، والفاء في «فتأتون» فصيحة تدلّ على محذوف ، أي : فتأتون إلى موضع العرض عقيب ذلك أفواجا (وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً) معطوف على «ينفخ» ، وصيغة الماضي للدلالة على تحقق الوقوع أي فتحت لنزول الملائكة (فَكانَتْ أَبْواباً) كما في قوله : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) (١) وقيل : معنى فتحت قطعت فصارت قطعا كالأبواب ، وقيل : أبوابها : طرقها ، وقيل : تنحلّ وتتناثر حتى تصير فيها أبواب ، وقيل : إن لكل عبد بابين في السماء ؛ باب لرزقه وباب لعمله ، فإذا قامت القيامة انفتحت الأبواب ، وظاهر قوله : (فَكانَتْ أَبْواباً) أنها صارت كلها أبوابا ، وليس المراد ذلك ، بل المراد أنها صارت ذات أبواب كثيرة. قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي «فتحت» مخففا. وقرأ الباقون بالتشديد (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً) أي : سيرت عن أماكنها في الهواء ، وقلعت عن مقارّها ، فكانت هباء منبثا يظنّ الناظر أنها سراب ، والمعنى : أن الجبال صارت كلا شيء ؛ كما أن السراب يظنّ الناظر أنه ماء ، وليس بماء ، وقيل : معنى سيرت : أنها نسفت من أصولها ، ومثل هذا قوله : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) (٢) وقد ذكر سبحانه أحوال الجبال بوجوه مختلفة ، ولكن الجمع بينها أن نقول : أوّل أحوالها الاندكاك ، وهو قوله : (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) (٣) وثاني أحوالها أن تصير كالعهن المنفوش كما في قوله : (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) (٤) وثالث أحوالها أن تصير كالهباء ، وهو قوله : (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا ـ فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) (٥) ورابع أحوالها : أن تنسف وتحملها الرياح كما في قوله : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) وخامس أحوالها أن تصير سرابا ، أي : لا شيء كما في هذه الآية.
ثم شرع سبحانه في تفصيل أحكام الفصل فقال : (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً) قال الأزهري : المرصاد : المكان الّذي يرصد الراصد فيه العدوّ. قال المبرد : مرصادا يرصدون به ، أي : هو معدّ لهم يرصد به خزنتها الكفار. قال الحسن : إن على الباب رصدا لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز عليهم ، فمن جاء بجواز
__________________
(١). الفرقان : ٢٥.
(٢). النمل : ٨٨.
(٣). الحاقة : ١٤.
(٤). القارعة : ٥.
(٥). الواقعة : ٥ ـ ٦.