وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر «ناخرة» واختار القراءة الأولى أبو عبيد وأبو حاتم ، واختار القراءة الثانية الفراء وابن جرير وأبو معاذ النحوي. قال أبو عمرو بن العلاء : الناخرة التي لم تنخر بعد ، أي : لم تبل ولا بدّ أن تنخر. وقيل : هما بمعنى ، تقول العرب : نخر الشيء فهو ناخر ونخر ، وطمع فهو طامع وطمع ونحو ذلك. قال الأخفش : هما جميعا لغتان أيهما قرأت فحسن. قال الشاعر :
يظلّ بها الشيخ الّذي كان بادنا |
|
يدبّ على عوج له نخرات |
يعني على قوائم عوج ، وقيل : الناخرة التي أكلت أطرافها وبقيت أوساطها ، والنخرة : التي فسدت كلّها. وقال مجاهد (نَخِرَةً) أي : مرفوتة ، كما في قوله : (رُفاتاً) (١) ، وقرئ (إِذا كُنَّا) و (أَإِذا كُنَّا) بالاستفهام وبعدمه. ثم ذكر سبحانه عنهم قولا آخر قالوه فقال : (قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) أي : رجعة ذات خسران لما يقع على أصحابها من الخسران ، والمعنى : أنهم قالوا : إن رددنا بعد الموت لنخسرنّ بما يصيبنا بعد الموت مما يقوله محمد. وقيل : معنى خاسرة كاذبة ، أي : ليست بكائنة ، كذا قال الحسن وغيره. وقال الربيع بن أنس : خاسرة على من كذب بها. وقال قتادة ومحمد بن كعب : أي لئن رجعنا بعد الموت لنخسرنّ بالنار ، وإنما قالوا هذا لأنهم أوعدوا بالنار ، والكرّة : الرجعة ، والجمع كرّات. وقوله : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) تعليل لما يدل عليه ما تقدّم من استبعادهم لبعث العظام النخرة وإحياء الأموات ، والمعنى : لا تستبعدوا ذلك فإنما هي زجرة واحدة ، وكان ذلك الإحياء والبعث ، والمراد بالزجرة الصيحة وهي النفخة الثانية التي يكون البعث بها. وقيل : إن الضمير في قوله : (فَإِنَّما هِيَ) راجع إلى الرادفة المتقدّم ذكرها (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) أي : فإذا الخلائق الذين قد ماتوا ودفنوا أحياء على وجه الأرض ، قال الواحدي : المراد بالساهرة وجه الأرض ، وظاهرها في قول الجميع. قال الفرّاء : سمّيت بهذا الاسم لأن فيها نوم الحيوان وسهرهم ، وقيل : لأن يسهر في فلاتها خوفا منها ، فسميت بذلك ، ومنه قول أبي كبير الهذليّ :
يرتدن ساهرة كأنّ جميمها |
|
وعميمها أسداف ليل مظلم (٢) |
وقول أمية بن أبي الصّلت :
وفيها لحم ساهرة وبحر |
|
وما فاهوا به لهم مقيم |
يريد لحم حيوان أرض ساهرة. قال في الصحاح : الساهرة : وجه الأرض ، ومنه قوله : (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ). وقال : الساهرة : أرض بيضاء ، وقيل : أرض من فضة لم يعص الله سبحانه فيها ، وقيل : الساهرة : الأرض السابعة يأتي بها الله سبحانه فيحاسب عليها الخلائق. وقال سفيان الثوري : الساهرة : أرض
__________________
(١). الإسراء : ٤٩.
(٢). «الجميم» : النبت الّذي قد نبت وارتفع قليلا ولم يتم كل التمام. «العميم» : المكتمل التام من النبت. «الأسداف» : جمع سدف ، وهو ظلمة الليل.