وجلّ فلم يطعه (ثُمَّ أَدْبَرَ) أي : تولّى وأعرض عن الإيمان (يَسْعى) أي : يعمل بالفساد في الأرض ويجتهد في معارضة ما جاء به موسى ، وقيل : أدبر هاربا من الحية يسعى خوفا منها. وقال الرازي : معنى (أَدْبَرَ يَسْعى) أقبل يسعى ، كما يقال : أقبل يفعل كذا ، أي : أنشأ يفعل كذا ، فوضع أدبر موضع أقبل لئلا يوصف بالإقبال. (فَحَشَرَ) أي : فجمع جنوده للقتال والمحاربة ، أو جمع السحرة للمعارضة ؛ أو جمع الناس للحضور ليشاهدوا ما يقع ، أو جمعهم ليمنعوه من الحية (فَنادى فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) أي : قال لهم بصوت عال ، أو أمر من ينادي بهذا القول. ومعنى (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) أنه لا ربّ فوقي. قال عطاء : كان صنع لهم أصناما صغارا وأمرهم بعبادتها وقال : أنا ربّ أصنامكم ، وقيل : أراد بكونه ربهم أنه قائدهم وسائدهم. والأوّل أولى لقوله في آية أخرى : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) (١) (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) النكال نعت مصدر محذوف ، أي : أخذه أخذ نكال ، أو هو مصدر لفعل محذوف ، أي : أخذه الله فنكله نكال الآخرة والأولى ، أو مصدر مؤكد لمضمون الجملة ، والمراد بنكال الآخرة عذاب النار ونكال الأولى عذاب الدنيا بالغرق. وقال مجاهد : عذاب أوّل عمره وآخره ، وقال قتادة : الآخرة قوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) والأولى تكذيبه لموسى. وقيل : الآخرة قوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) والأولى قوله : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) وكان بين الكلمتين أربعون سنة ، ويجوز أن يكون انتصاب نكال على أنه مفعول له ، أي : أخذه الله لأجل نكال ، ويجوز أن ينتصب بنزع الخافض ، أي : بنكال. ورجح الزجاج أنه مصدر مؤكد ، قال : لأن معنى أخذه الله : نكل الله به ، فأخرج من معناه لا من لفظه. وقال الفرّاء : أي أخذه الله أخذا نكالا : أي : للنكال ، والنكال : اسم لما جعل نكالا للغير ، أي : عقوبة له ، يقال : نكل فلان بفلان : إذا عاقبه ، وأصل الكلمة من الامتناع ، ومنه النكول عن اليمين ، والنكل القيد (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) أي : فيما ذكر من قصة فرعون وما فعل به عبرة عظيمة لمن شأنه أن يخشى الله ويتقيه ، ويخاف عقوبته ويحاذر غضبه.
وقد أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن عليّ بن أبي طالب في قوله : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً) قال : هي الملائكة تنزع روح الكفار (وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً) قال : هي الملائكة تنشط أرواح الكفار ما بين الأظفار والجلد حتى تخرجها (وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً) هي الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين بين السماء والأرض (فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً) هي الملائكة يسبق بعضها بعضا بأرواح المؤمنين إلى الله (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) هي الملائكة تدبر أمر العباد من السنة إلى السنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً) قال : هي أنفس الكفار تنزع ثم تنشط ثم تغرق في النار. وأخرج الحاكم وصححه عنه (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً ـ وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً) قال : الموت. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً) قال : الملائكة الذين يلون أنفس الكفار
__________________
(١). القصص : ٣٨.