التمتيع ، وإنما قال : (لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) لأن فائدة ما ذكر من الدحوّ وإخراج الماء والمرعى كائنة لهم ولأنعامهم ، والمرعى : يعمّ ما يأكله الناس والدواب (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) أي : الداهية العظمى التي تطمّ على سائر الطامات. قال الحسن وغيره : وهي النفخة الثانية. وقال الضحاك وغيره : هي القيامة سميت بذلك لأنها تطمّ على كل شيء لعظم هولها. قال المبرد : الطامة عند العرب : الداهية التي لا تستطاع ، وإنما أخذت فيما أحسب من قولهم : طمّ الفرس طميما ؛ إذا استفرغ جهده في الجري ، وطمّ الماء ؛ إذا ملأ النهر كله. وقال غيره : هو من طمّ السّيل الرّكية (١) ، أي : دفنها ، والطمّ : الدفن. قال مجاهد وغيره : الطامة الكبرى هي التي تسلم أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار ، والفاء للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها ، وجواب «إذا» قيل هو قوله : (فَأَمَّا مَنْ طَغى) ، وقيل : محذوف ، أي : فإن الأمر كذلك ، أو عاينوا ، أو علموا ، أو أدخل أهل النار النار وأهل الجنة الجنة. وقال أبو البقاء : العامل فيها جوابها ، وهو معنى (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) فإنه منصوب بفعل مضمر ، أي : أعني يوم يتذكر ، أو يوم يتذكر يكون كيت وكيت. وقيل : إن الظرف بدل من إذا ، وقيل : هو بدل من الطامة الكبرى ؛ ومعنى (يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى) أنه يتذكر ما عمله من خير أو شر ؛ لأنه يشاهده مدوّنا في صحائف عمله ، و «ما» مصدرية ، أو موصولة (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) معطوف على جاءت ، ومعنى برزت : أظهرت إظهارا لا يخفى على أحد. قال مقاتل : يكشف عنها الغطاء فينظر إليها الخلق ، وقيل : (لِمَنْ يَرى) من الكفار ، لا من المؤمنين ؛ والظاهر أن تبرز لكلّ راء ، فأما المؤمن فيعرف برؤيتها قدر نعمة الله عليه بالسلامة منها ، وأما الكافر فيزداد غمّا إلى غمّه ، وحسرة إلى حسرته. قرأ الجمهور : (لِمَنْ يَرى) بالتحتية ، وقرأت عائشة ومالك ابن دينار وعكرمة وزيد بن عليّ بالفوقية ، أو : لمن تراه الجحيم ، أو لمن تراه أنت يا محمد. وقرأ ابن مسعود : «لمن رأى» على صيغة الفعل الماضي (فَأَمَّا مَنْ طَغى) أي : جاوز الحد في الكفر والمعاصي (وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا) أي : قدّمها عن الآخرة ولم يستعدّ لها ولا عمل عملها (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) أي : مأواه ، والألف واللام عوض عن المضاف إليه ، والمعنى : أنها منزله الّذي ينزله ، ومأواه الّذي يأوي إليه ؛ لا غيرها. ثم ذكر القسم الثاني من القسمين فقال : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) أي : حذر مقامه بين يدي ربه يوم القيامة. قال الربيع : مقامه يوم الحساب. قال قتادة : يقول : إن الله عزوجل مقاما قد خافه المؤمنون. وقال مجاهد : هو خوفه في الدنيا من الله عزوجل عند مواقعة الذنب فيقلع عنه ، نظيره قوله : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) (٢) والأوّل أولى (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى) أي : زجرها عن الميل إلى المعاصي والمحارم التي تشتهيها. قال مقاتل : هو الرجل يهمّ بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) أي : المنزل الّذي ينزله والمكان الّذي يأوي إليه لا غيرها (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) أي : متى وقوعها وقيامها؟ قال الفراء : أي : منتهى قيامها كرسوّ السفينة. قال أبو عبيدة : ومرسى السفينة
__________________
(١). أي البئر ؛ أي جرى سيل الوادي.
(٢). الرّحمن : ٥٦.