سورة عبس
وتسمى سورة السفرة ، وهي إحدى وأربعون ، أو اثنتان وأربعون آية وهي مكية في قول الجميع. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت سورة عبس بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (٨) وَهُوَ يَخْشى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠) كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرامٍ بَرَرَةٍ (١٦) قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (١٧) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢) كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ (٢٣) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (٢٧) وَعِنَباً وَقَضْباً (٢٨) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (٢٩) وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٢) فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (٤١) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢))
قوله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى) أي : كلح بوجهه وأعرض. وقرئ «عبّس» بالتشديد (أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) مفعول لأجله ، أي : لأن جاءه الأعمى ، والعامل فيه إما عبس أو تولى على الاختلاف بين البصريين والكوفيين في التنازع هل المختار إعمال الأوّل أو الثاني؟.
وقد أجمع المفسرون على أن سبب نزول الآية : أن قوما من أشراف قريش كانوا عند النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقد طمع في إسلامهم ، فأقبل عبد الله بن أمّ مكتوم ، فكره رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يقطع عليه ابن أمّ مكتوم كلامه ، فأعرض عنه فنزلت ، وسيأتي في آخر البحث بيان هذا إن شاء الله ، (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) التفت سبحانه إلى خطاب نبيه صلىاللهعليهوسلم ، لأن المشافهة أدخل في العتاب ، أي : أيّ شيء يجعلك داريا بحاله حتى تعرض عنه ، وجملة (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) مستأنفة لبيان أن له شأنا ينافي الإعراض عنه ، أي : لعله يتطهر من الذنوب بالعمل الصالح بسبب ما يتعلمه منك ، فالضمير في «لعله» راجع إلى «الأعمى» ، وقيل : هو راجع إلى الكافر ، أي : وما يدريك أن ما طعمت فيه ممن اشتغلت بالكلام معه عن الأعمى أنه يزكى أو يذكر ، والأوّل أولى. وكلمة الترجي باعتبار من وجه إليه الخطاب للتنبيه على أن الإعراض عنه مع كونه مرجوّ التزكي مما