أقبل بظلامه. قال الفراء : العرب تقول عسعس الليل ؛ إذا أقبل ، وعسعس الليل ؛ إذا أدبر ، وهذا لا ينافي ما تقدّم عنه ، لأنه حكى عن المفسرين أنهم أجمعوا على حمل معناه في هذه الآية على أدبر ، وإن كان في الأصل مشتركا بين الإقبال والإدبار. قال المبرد : هو من الأضداد. قال : والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد ، وهو ابتداء الظلام أوّله وإدباره في آخره. قال رؤبة بن العجاج :
يا هند ما أسرع ما تعسعسا |
|
من بعد ما كان فتى ترعرعا (١) |
وقال امرؤ القيس :
عسعس حتّى لو يشاء إدّنا |
|
كان لنا من ناره مقبس |
وقوله :
ألمّا على الرّبع القديم بعسعسا (٢)
(وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) التنفس الأصل : خروج النسيم من الجوف ، وتنفس الصبح : إقباله ؛ لأنه يقبل بروح ونسيم ، فجعل ذلك تنفسا له مجازا. قال الواحدي : (تَنَفَّسَ) أي امتدّ ضوءه حتى يصير نهارا ، ومنه يقال للنهار إذا زاد : تنفس. وقيل : (إِذا تَنَفَّسَ) إذا انشقّ وانفلق ، ومنه تنفست القوس ، أي : تصدّعت. ثم ذكر سبحانه جواب القسم فقال : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) يعني جبريل ؛ لكونه نزل به من جهة الله سبحانه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأضاف القول إلى جبريل لكونه مرسلا به ، وقيل : المراد بالرسول في الآية محمد صلىاللهعليهوسلم ، والأوّل أولى. ثم وصف الرسول المذكور بأوصاف محمودة فقال : (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) أي : ذي قوّة شديدة في القيام بما كلّف به ، كما في قوله : (شَدِيدُ الْقُوى) (٣) ، ومعنى (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) أنه ذو رفعة عالية ومكانة مكينة عند الله سبحانه ، وهو في محل نصب على حال من «مكين» ، وأصله الوصف فلما قدّم صار حالا ، ويجوز أن يكون نعتا لرسول ، يقال : مكن فلان عند فلان مكانة ، أي : صار ذا منزلة عنده ومكانة. قال أبو صالح : من مكانته عند ذي العرش أنه يدخل سبعين سرادقا بغير إذن ، ومعنى (مُطاعٍ) أنه مطاع بين الملائكة يرجعون إليه ويطيعونه (ثَمَّ أَمِينٍ) قرأ الجمهور بفتح «ثمّ» على أنها ظرف مكان للبعيد ، والعامل فيه «مطاع» أو ما بعده ، والمعنى : أنه مطاع في السّماوات أو أمين فيها ، أي : مؤتمن على الوحي وغيره ، وقرأ هشيم وأبو جعفر وأبو حيوة بضمها على أنها عاطفة ، وكان العطف بها للتراخي في الرتبة ؛ لأن ما بعدها أعظم مما قبلها ، ومن قال : إن المراد بالرسول محمد
__________________
(١). في لسان العرب : تسعسع بدل تعسعس وسرعرع بدل ترعرع ومعنى «تسعسع» : أدبر وفني. و «السرعرع» : الشاب الناعم.
(٢). وعجز البيت : كأني أنادي أو أكلم أخرسا.
(٣). النجم : ٥.