أي : إن أبانا في الشرف كالنجم المضيء ، وأصل الطروق : الدقّ ، فسمّي قاصد الليل طارقا لاحتياجه في الوصول إلى الدق. وقال قوم : إن الطروق قد يكون نهارا ، والعرب تقول : أتيتك اليوم طرقتين ، أي : مرتين ، ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم : «أعوذ بك من شرّ طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير». ثم بيّن سبحانه ما هو الطارق ، تفخيما لشأنه بعد تعظيمه بالإقسام به فقال : (وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ ـ النَّجْمُ الثَّاقِبُ) الثاقب : المضيء ، ومنه يقال : ثقب النجم ثقوبا وثقابة ؛ إذا أضاء ، وثقوبه : ضوءه ، ومنه قول الشاعر :
أذاع به في النّاس حتّى كأنّه |
|
بعلياء نار أوقدت بثقوب |
قال الواحدي : الطارق يقع على كل ما طرق ليلا ، ولم يكن النبيّ صلىاللهعليهوسلم يدري ما المراد به لو لم يبينه بقوله : (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) قال مجاهد : الثاقب : المتوهّج. قال سفيان : كل ما في القرآن (وَما أَدْراكَ) فقد أخبره [به] (١) ، وكل شيء قال : (وَما يُدْرِيكَ) لم يخبره به ، وارتفاع قوله : (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) على أنه خبر مبتدأ محذوف ، والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر نشأ مما قبله ، كأنه قيل : ما هو؟ فقيل : هو النجم الثاقب (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) هذا جواب القسم ، وما بينهما اعتراض ، وقد تقدّم في سورة هود اختلاف القرّاء في (لَمَّا) فمن قرأ بتخفيفها كانت إن هنا هي المخففة من الثقيلة فيها ضمير الشأن المقدّر ، وهو اسمها ، واللام هي الفارقة ، و «ما» مزيدة ، أي : إن الشأن كل نفس لعليها حافظ ، ومن قرأ بالتشديد فإن نافية ، ولما بمعنى إلا ، أي : ما كل نفس إلا عليها حافظ ، وقد قرأ هنا بالتشديد ابن عامر وعاصم وحمزة. وقرأ الباقون بالتخفيف. قيل : والحافظ : هم الحفظة من الملائكة الذين يحفظون عليها عملها وقولها وفعلها ، ويحصون ما تكسب من خير وشرّ ، وقيل : الحافظ هو الله عزوجل ، وقيل : هو العقل يرشدهم إلى المصالح ، ويكفّهم عن المفاسد. والأوّل أولى لقوله : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) (٢) وقوله : (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) (٣) وقوله : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ) (٤) والحافظ على الحقيقة هو الله عزوجل كما في قوله : (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً) (٥) وحفظ الملائكة من حفظه لأنهم بأمره (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ) الفاء للدلالة على أن كون على كل نفس حافظ يوجب على الإنسان أن يتفكر في مبتدأ خلقه ؛ ليعلم قدرة الله على ما هو دون ذلك من البعث. قال مقاتل : يعني المكذّب بالبعث (مِمَّ خُلِقَ) من أي شيء خلقه الله ، والمعنى : فلينظر نظر التفكر والاستدلال حتى يعرف أن الّذي ابتدأه من نطفة قادر على إعادته. ثم بين سبحانه ذلك فقال : (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) والجملة مستأنفة جواب سؤال مقدّر ، والماء : هو المني ، والدفق : الصبّ ، يقال : دفقت الماء ، أي : صببته ، يقال : ماء دافق ، أي : مدفوق ، مثل : (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (٦) أي : مرضية. قال الفرّاء والأخفش : ماء دافق. أي مصبوب في الرحم. قال الفرّاء : وأهل الحجاز يجعلون الفاعل بمعنى المفعول في كثير من كلامهم ، كقولهم : سرّ كاتم ، أي : مكتوم ، وهمّ ناصب ،
__________________
(١). من تفسير القرطبي (٢٠ / ٣)
(٢). الانفطار : ١٠.
(٣). الأنعام : ٦١.
(٤). الرعد : ١١.
(٥). يوسف : ٦٤.
(٦). القارعة : ٧.