معنى من بين الصلب ، ومن الصلب ، وقيل : إن ماء الرجل ينزل من الدماغ ، ولا يخالف هذا ما في الآية لأنه إذا نزل من الدماغ نزل من بين الصلب والترائب ، وقيل : إن المعنى : يخرج من جميع أجزاء البدن ، ولا يخالف هذا ما في الآية ، لأن نسبة خروجه إلى بين الصلب والترائب باعتبار أن أكثر أجزاء البدن هي الصلب والترائب وما يجاورها وما فوقها مما يكون تنزله منها (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) الضمير في إنه يرجع إلى الله سبحانه لدلالة قوله : (خُلِقَ) عليه ، فإن الّذي خلقه هو الله سبحانه ، والضمير في رجعه عائد إلى الإنسان ، والمعنى : أن الله سبحانه قادر على رجع الإنسان ، أي : إعادته بالبعث بعد الموت (لَقادِرٌ) هكذا قال جماعة من المفسرين. وقال مجاهد : على أن يردّ الماء في الإحليل. وقال عكرمة والضحاك : على أن يردّ الماء في الصلب. وقال مقاتل بن حيان يقول : إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب ، ومن الشباب إلى الصبا ، ومن الصبا إلى النطفة. وقال ابن زيد : إنه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج لقادر ، والأوّل أظهر ، ورجحه ابن جرير والثعلبي والقرطبي (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) العامل في الظرف على التفسير الأوّل ، هو «رجعه» ، وقيل : «لقادر». واعترض عليه بأنه يلزم تخصيص القدرة بهذا اليوم ، وقيل : العامل فيه مقدّر ، أي : يرجعه يوم تبلى السرائر ، وقيل : العامل فيه مقدّر ، وهو اذكر ، فيكون مفعولا به ؛ وأما على قول من قال : إن المراد رجع الماء ، فالعامل في الظرف مقدّر ، وهو اذكر ، ومعنى تبلى السرائر : تختبر وتعرف ، ومنه قول الراجز :
قد كنت قبل اليوم تزدريني |
|
فاليوم أبلوك وتبتليني |
أي : أختبرك وتختبرني ، وأمتحنك وتمتحنني ، والسرائر : ما يسر في القلوب من العقائد والنيات وغيرها ، والمراد هنا عرض الأعمال ونشر الصحف ، فعند ذلك يتميز الحسن منها من القبيح ، والغثّ من السمين (فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ) أي : فما للإنسان من قوّة في نفسه يمتنع بها عن عذاب الله ، ولا ناصر ينصره ممّا نزل به. قال عكرمة : هؤلاء الملوك ما لهم يوم القيامة من قوّة ولا ناصر. قال سفيان : القوة : العشيرة ، والناصر : الحليف ، والأوّل أولى (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) الرجع : المطر. قال الزجاج : الرجع : المطر ؛ لأنه يجيء ويرجع ويتكرر. قال الخليل : الرجع : المطر نفسه ، والرجع : نبات الربيع. قال أهل اللغة : الرجع : المطر. قال المتنخّل يصف سيفا له :
أبيض كالرّجع رسوب إذا |
|
ما ثاخ في محتفل يختلي (١) |
قال الواحدي : الرجع : المطر في قول جميع المفسرين ، وفي هذا الّذي حكاه عن جميع المفسرين نظر ، فإن ابن زيد قال : الرجع الشمس والقمر والنجوم يرجعن في السماء من ناحية وتغيب في أخرى. وقال بعض المفسرين : ذات الرجع ذات الملائكة لرجوعهم إليها بأعمال العباد. وقال بعضهم : معنى «ذات الرجع» : ذات النفع ، ووجه تسمية المطر رجعا ما قاله القفّال إنه مأخوذ من ترجيع الصوت وهو إعادته ، وكذا المطر لكونه يعود مرّة بعد أخرى سمّي رجعا. وقيل : إن العرب كانوا يزعمون أن السحاب يحمل الماء من بحار
__________________
(١). «ثاخ» خاض. «المحتفل» : أعظم موضع في الجسد. «يختلي» : يقطع.