قيل : المراد بذلك الكذب والبهتان والكفر قاله قتادة ، وقال مجاهد : أي الشتم. وقال الفرّاء : لا تسمع فيها حالفا يحلف بكذب. وقال الكلبي : لا تسمع في الجنة حالفا بيمين برّة ولا فاجرة. وقال الفرّاء أيضا : لا تسمع في كلام أهل الجنة كلمة تلغى ؛ لأنهم لا يتكلمون إلا بالحكمة وحمد الله تعالى على ما رزقهم من النعيم الدائم ، وهذا أرجح الأقوال لأن النكرة في سياق النفي من صيغ العموم ، ولا وجه لتخصيص هذا بنوع من اللغو خاص إلا بمخصّص يصلح للتخصيص ، ولاغية : إما صفة موصوف محذوف ، أي : كلمة لاغية ، أو نفس لاغية ، أو مصدر ، أي : لا تسمع فيها لغوا (فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) قد تقدّم في سورة الإنسان أن فيها عيونا ، والعين هنا بمعنى : العيون ؛ كما في قوله : (عَلِمَتْ نَفْسٌ) (١) ومعنى جارية أنها تجري مياهها وتتدفق بأنواع الأشربة المستلذة. قال الكلبي : لا أدري بماء أو بغيره (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) أي : عالية مرتفعة السمك ، أو عالية القدر (وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) قد تقدّم أن الأكواب جمع كوب ، وأنه القدح الّذي لا عروة له ، ومعنى موضوعة : أنها موضوعة بين أيديهم يشربون منها (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ) النمارق : الوسائد. قال الواحدي : في قول الجميع ، واحدتها نمرقة بضم النون ، وزاد الفرّاء سماعا عن العرب نمرقة بكسرها. قال الكلبي : وسائد مصفوفة بعضها إلى بعض ، ومنه قول الشاعر :
وإنّا لنجري الكأس بين شروبنا |
|
وبين أبي قابوس فوق النّمارق |
وقال الآخر :
كهول وشبّان حسان وجوههم |
|
على سرر مصفوفة ونمارق |
قال في الصحاح : النّمرق والنّمرقة : وسادة صغيرة ، وكذلك النّمرقة بالكسر لغة حكاها يعقوب (وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) يعني البسط ، واحدها : زربيّة. قال أبو عبيدة والفرّاء : الزرابيّ : الطنافس التي لها خمل رقيق ، واحدها زربيّة ، والمبثوثة : المبسوطة ، قاله قتادة. وقال عكرمة : بعضها فوق بعض. قال الواحدي : ويجوز أن يكون المعنى : أنها مفرقة في المجالس. وبه قال القتبيّ. وقال الفرّاء : معنى مبثوثة : كثيرة ، والظاهر أن معنى البث : التفرّق مع كثرة ، ومنه (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) (٢). (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) الاستفهام للتقريع والتوبيخ ، والفاء للعطف على مقدّر كما في نظائره مما مرّ غير مرّة ، والجملة مسوقة لتقرير أمر البعث والاستدلال عليه ، وكذا ما بعدها ، وكيف منصوبة بما بعدها ، والجملة في محل جر على أنها بدل اشتمال من الإبل ، والمعنى : أينكرون أمر البعث ويستبعدون وقوعه ، أفلا ينظرون إلى الإبل التي هي غالب مواشيهم وأكبر ما يشاهدونه من المخلوقات (كَيْفَ خُلِقَتْ) على ما هي عليه من الخلق البديع من عظم جثّتها ومزيد قوّتها وبديع أوصافها. قال أبو عمرو بن العلاء : إنما خصّ الإبل لأنها من ذوات الأربع تبرك فتحمل عليها الحمولة ، وغيرها من ذوات الأربع لا يحمل عليه إلا وهو قائم : قال الزّجّاج :
__________________
(١). التكوير : ١٤.
(٢). البقرة : ١٦٤.