أو في محل نصب على الذمّ (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) أي : أفرغ عليهم وألقى على تلك الطوائف سوط عذاب ، وهو ما عذّبهم به. قال الزجاج : جعل سوطه الّذي ضربهم به العذاب ، يقال : صبّ على فلان خلعة ، أي : ألقاها عليه ، ومنه قول النابغة :
فصبّ عليه الله أحسن صنعه |
|
وكان له بين البريّة ناصرا |
ومنه قول الآخر :
ألم تر أنّ الله أظهر دينه |
|
وصبّ على الكفّار سوط عذاب |
ومعنى سوط عذاب : نصيب عذاب ، وذكر السوط إشارة إلى أن ما أحله بهم في الدنيا من العذاب العظيم هو بالنسبة إلى ما أعدّه لهم في الآخرة كالسوط إذا قيس إلى سائر ما يعذب به. وقيل : ذكر السوط للدلالة على شدة ما نزل بهم ، وكان السوط عندهم هو نهاية ما يعذّب به. قال الفرّاء : هي كلمة تقولها العرب لكل نوع من أنواع العذاب ، وأصل ذلك أن السوط هو عذابهم الّذي يعذبون به ، فجرى لكل عذاب إذا كان فيه عندهم غاية العذاب. وقيل معناه : عذاب يخالط اللحم والدم ، من قولهم : يسوطه سوطا ، أي : خلطه ، فالسوط : خلط الشيء بعضه ببعض ، ومنه قول كعب بن زهير :
لكنّها خلّة قد سيط من دمها |
|
فجع وولع (١) وإخلاف وتبديل |
وقال الآخر :
أحارث إنّا لو تساط دماؤنا |
|
تزايلن حتّى لا يمسّ دم دما |
وقال آخر :
فسطها ذميم الرّأي غير موفّق |
|
فلست على تسويطها بمعان |
(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) قد قدّمنا قول من قال إن هذا جواب القسم. والأولى أن الجواب محذوف ، وهذه الجملة تعليل لما قبلها ، وفيها إرشاد إلى أن كفار قومه صلىاللهعليهوسلم سيصيبهم ما أصاب أولئك الكفار ، ومعنى بالمرصاد : أنه يرصد عمل كل إنسان حتى يجازيه عليه بالخير خيرا وبالشرّ شرّا. قال الحسن وعكرمة : أي عليه طريق العباد لا يفوته أحد ، والرصد والمرصاد : الطريق. وقد تقدّم بيانه في سورة براءة ، وتقدّم أيضا عند قوله : (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً) (٢).
وقد أخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في الشعب ، عن ابن عباس في قوله : (وَالْفَجْرِ) قال : فجر النهار. وأخرج ابن جرير عنه قال : يعني صلاة الفجر. وأخرج سعيد
__________________
(١). «فجع» : إصابة بمكروه. «ولع» : كذب.
(٢). النبأ : ٢١.