سورة البلد
ويقال سورة : لا أقسم ، هي عشرون آية وهي مكية بلا خلاف. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : نزلت سورة لا أقسم بهذا البلد بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (٢) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (٤) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً (٦) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (٧) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (١٠) فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩) عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠))
قوله : (لا أُقْسِمُ) لا زائدة ، والمعنى أقسم (بِهذَا الْبَلَدِ) وقد تقدّم الكلام على هذا في تفسير (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (١) ، ومن زيادة «لا» في الكلام في غير القسم قول الشاعر :
تذكّرت ليلى فاعترتني صبابة |
|
وكاد صميم القلب لا يتصدّع (٢) |
أي : يتصدّع ، ومن ذلك قوله : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) (٣) أي : أن تسجد. قال الواحدي : أجمع المفسرون على أن هذا قسم بالبلد الحرام وهو مكة. قرأ الجمهور «لا أقسم» وقرأ الحسن والأعمش «لأقسم» من غير ألف ، وقيل : هو نفي للقسم ، والمعنى : لا أقسم بهذا البلد إذا لم تكن فيه بعد خروجك منه. وقال مجاهد : إن «لا» ردّ على من أنكر البعث ، ثم ابتدأ فقال أقسم ، والمعنى : ليس الأمر كما تحسبون ، والأوّل أولى. والمعنى : أقسم بالبلد الحرام الّذي أنت حلّ فيه. وقال الواسطي : إن المراد بالبلد المدينة ، وهو مع كونه خلاف إجماع المفسرين هو أيضا مدفوع لكون السورة مكية لا مدنية ، وجملة قوله : (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) معترضة ، والمعنى : أقسم بهذا البلد (وَوالِدٍ وَما وَلَدَ ـ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) واعترض بينهما بهذه الجملة ، والمعنى : ومن المكابد أن مثلك عليّ عظيم حرمته يستحل بهذا البلد كما يستحلّ الصيد في غير الحرم. وقال الواحدي : الحلّ والحلال والمحل واحد ، وهو ضدّ المحرّم ، أحلّ الله لنبيه صلىاللهعليهوسلم مكة يوم
__________________
(١). القيامة : ١.
(٢). في تفسير القرطبي : لا يتقطع.
(٣). الأعراف : ١٢.