سالف فعقر الناقة ، ومعنى انبعث : انتدب لذلك وقام به ، يقال : بعثته على الأمر فانبعث له ، وقد تقدّم بيان هذا في الأعراف (فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ) يعني صالحا (ناقَةَ اللهِ) قال الزجاج : ناقة الله منصوبة على معنى : ذروا ناقة الله. قال الفراء : حذّرهم إياها ، وكل تحذير فهو نصب (وَسُقْياها) معطوف على ناقة ، وهو شربها من الماء. قال الكلبي ومقاتل : قال لهم صالح : ذروا ناقة الله فلا تعقروها وذروا سقياها ، وهو شربها من النهر فلا تعرّضوا له يوم شربها ، فكذبوا بتحذيره إياهم (فَعَقَرُوها) أي : عقرها الأشقى ، وإنما أسند العقر إلى الجميع لأنهم رضوا بما فعله. قال قتادة : إنه لم يعقرها حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم. قال الفراء : عقرها اثنان ، والعرب تقول : هذان أفضل الناس ، وهذان خير الناس ، فلهذا لم يقل أشقياها (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها) أي : أهلكهم وأطبق عليهم العذاب ، وحقيقة الدمدمة : تضعيف العذاب وترديده ، يقال : دمدمت على الشيء ، أي : أطبقت عليه ، ودمدم عليه القبر ، أي : أطبقه ، وناقة مدمومة ؛ إذا لبسها الشحم ، والدمدمة : إهلاك باستئصال ، كذا قال المؤرّج. قال في الصحاح : دمدمت الشيء إذا ألزقته بالأرض وطحطحته ، ودمدم الله عليهم ، أي : أهلكهم. وقال ابن الأعرابي : دمدم : إذا عذّب عذابا تاما. والضمير في «فسوّاها» يعود إلى الدمدمة ، أي : فسوّى الدمدمة عليهم وعمّهم بها فاستوت على صغيرهم وكبيرهم ، وقيل : يعود إلى الأرض ، أي : فسوّى الأرض عليهم فجعلهم تحت التراب ، وقيل : يعود إلى الأمة ، أي : ثمود. قال الفراء : سوّى الأمة : أنزل العذاب بصغيرها وكبيرها بمعنى سوّى بينهم. قرأ الجمهور : (فَدَمْدَمَ) بميم بين الدالين ، وقرأ ابن الزبير : «فدهدم» بهاء بين الدالين. قال القرطبي : وهما لغتان كما يقال : امتقع لونه ، واهتقع لونه (وَلا يَخافُ عُقْباها) أي : فعل الله ذلك بهم غير خائف من عاقبة ولا تبعة ، والضمير في عقباها يرجع إلى الفعلة ، أو إلى الدمدمة المدلول عليها بدمدم. وقال السدّي والضحاك والكلبي : إن الكلام يرجع إلى العاقر لا إلى الله سبحانه ، أي : لم يخف الّذي عقرها عقبى ما صنع. وقيل : لا يخاف رسول الله صلىاللهعليهوسلم عاقبة إهلاك قومه ولا يخشى ضررا يعود عليه من عذابهم ؛ لأنه قد أنذرهم ، والأوّل أولى. قرأ الجمهور : (وَلا يَخافُ) بالواو ، وقرأ نافع وابن عامر بالفاء.
وقد أخرج الحاكم وصحّحه عن ابن عباس (وَضُحاها) قال : ضوءها (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) قال : تبعها (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها) قال : أضاءها (وَالسَّماءِ وَما بَناها) قال : الله بنى السماء (وَالْأَرْضِ وَما طَحاها) قال : دحاها (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) قال : علّمها الطاعة والمعصية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه (وَالْأَرْضِ وَما طَحاها) يقول : قسمها (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) قال : من الخير والشرّ. وأخرج الحاكم وصحّحه عنه أيضا (فَأَلْهَمَها) قال : ألزمها فجورها وتقواها. وأخرج أحمد وعبد بن حميد ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عمران بن حصين «أن رجلا قال : يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه ، شيء قد قضي عليهم ، ومضى في قدر قد سبق ، أو فيما يستقبلون ممّا أتاهم نبيهم واتّخذت عليهم به الحجّة ، قال : بل شيء قد قضي عليهم ، قال : فلم يعملون إذن؟ قال : من كان الله خلقه لواحدة من المنزلتين يهيّئه لعملها وتصديق ذلك في كتاب