(وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) كرّر هذه الآية لقصد التأكيد. وقيل : المراد بالجنود هنا جنود العذاب كما يفيده التعبير بالعزة هنا مكان العلم هنا لك.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، عن مجمّع بن جارية الأنصاري قال : شهدنا الحديبية ، فلما انصرفنا عنها حتى بلغنا كراع الغميم (١) ، إذ الناس يهزّون الأباعر ، فقال الناس بعضهم لبعض : ما للناس؟ فقالوا : أوحي إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فخرجنا مع الناس نوجف (٢) ، فإذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم على راحلته عند كراع الغميم ، فاجتمع الناس عليه فقرأ عليهم (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) ، فقال رجل : أي رسول الله أو فتح هو؟ قال : إي والّذي نفس محمد بيده ، إنه لفتح. فقسمت خيبر على أهل الحديبية ، لم يدخل معهم فيها أحد إلا من شهد الحديبية ، فقسمها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثمانية عشر سهما ، وكان الجيش ألفا وخمسمائة ، منهم ثلاثمائة فارس ، فأعطى الفارس سهمين ، وأعطى الراجل سهما. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ، والبخاري في تاريخه ، وأبو داود والنسائي وابن جرير والطبراني وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن مسعود قال : أقبلنا من الحديبية مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فبينا نحن نسير إذا أتاه الوحي ، وكان إذا أتاه اشتدّ عليه ، فسرّي عنه
وبه من السرور ما شاء الله ، فأخبرنا أنه أنزل عليه : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً). وأخرج البخاري وغيره عن أنس في قوله : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) قال : الحديبية. وأخرج البخاري وغيره عن البراء قال : تعدّون أنتم الفتح فتح مكة ، وقد كان فتح مكّة فتحا ، ونحن نعدّ الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية. وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) قال : «فتح مكة». وأخرج البخاري ومسلم وغير هما عن المغيرة بن شعبة قال : «كان النبي صلىاللهعليهوسلم يصلي حتى ترم قدماه ، فقيل له : أليس قد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟ قال : أفلا أكون عبدا شكورا» وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس في قوله : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) قال : السكينة هي الرحمة ، وفي قوله : (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) قال : إن الله بعث نبيه صلىاللهعليهوسلم بشهادة أن لا إله إلا الله ، فلما صدّق بها المؤمنون زادهم الصلاة ، فلما صدّقوا بها زادهم الصيام ، فلما صدّقوا به زادهم الزكاة ، فلما صدّقوا بها زادهم الحجّ ، فلما صدّقوا به زادهم الجهاد. ثم أكمل لهم دينهم فقال : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (٣). قال ابن عباس : فأوثق إيمان أهل السماء وأهل الأرض وأصدقه وأكمله شهادة أن لا إله إلا الله. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) قال : تصديقا مع تصديقهم. وأخرج البخاري ومسلم
__________________
(١). «كراع الغميم» : موضع بناحية الحجاز بين مكة والمدينة.
(٢). «نوجف» : نسرع السير.
(٣). المائدة : ٣.