ابن جرير عنه أيضا (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) يقول : صدّق بلا إله إلا الله (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى) يقول : من أغناه الله فبخل بالزكاة. وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال : كان أبو بكر يعتق على الإسلام بمكة ، وكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن ، فقال له أبوه : أي بنيّ أراك تعتق أناسا ضعّفا ، فلو أنك تعتق رجالا جلدا يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك. قال : أي أبت إنما أريد ما عند الله ، قال : فحدّثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية نزلت فيه (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ـ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ـ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى). وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس في قوله : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ـ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) قال : أبو بكر الصدّيق (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى ـ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى) قال : أبو سفيان بن حرب. وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن عليّ بن أبي طالب قال : كنا مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم في جنازة ، فقال : «ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار ، فقالوا : يا رسول الله أفلا نتّكل؟ قال : اعملوا فكل ميسّر لما خلق له ؛ أما من كان من أهل السعادة فييسّر لعمل أهل السعادة ، وأما من كان من أهل الشقاء فييسّر لعمل أهل الشقاء ، ثم قرأ : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ـ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) إلى قوله (لِلْعُسْرى)». وأخرج أحمد ومسلم وغيرهما عن جابر بن عبد الله «أن سراقة بن مالك قال : يا رسول الله في أيّ شيء نعمل؟ أفي شيء ثبتت فيه المقادير وجرت به الأقلام ، أم في شيء يستقبل فيه العمل؟ قال : بل في شيء ثبتت فيه المقادير وجرت فيه الأقلام ، قال سراقة : ففيم العمل إذن يا رسول الله؟ قال : اعملوا فكلّ ميسر لما خلق له ، وقرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآية : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) إلى قوله : (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى)». وقد تقدّم حديث عمران بن حصين في السورة التي قبل هذه. وفي الباب أحاديث من طريق جماعة من الصحابة.
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال : «لتدخلن الجنة إلا من يأبى ، قالوا : ومن يأبى أن يدخل الجنة؟ فقرأ (الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى)». وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي أمامة قال : لا يبقى أحد من هذه الأمة إلا أدخله الله الجنة ، إلا من شرد على الله كما يشرد البعير السّوء على أهله ، فمن لم يصدّقني فإن الله يقول : (لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى ـ الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) وكذّب بما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم وتولى عنه. وأخرج أحمد والحاكم والضياء عن أبي أمامة الباهلي أنه سئل عن ألين كلمة سمعها من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ألا كلّكم يدخل الله الجنة إلا من شرد على الله شراد البعير على أهله». وأخرج أحمد وابن ماجة وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يدخل النار إلا شقّي. قيل : ومن الشقيّ؟ قال : الّذي لا يعمل لله بطاعة ولا يترك لله معصية». وأخرج أحمد والبخاري عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كلّ أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى ، قالوا : ومن يأبى يا رسول الله؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى».
وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة أنّ أبا بكر الصدّيق أعتق سبعة كلّهم يعذّب في الله : بلال ، وعامر بن فهيرة ، والنهدية وابنتها ، وزنيرة ، وأمّ عيسى ، وأمة بني المؤمل ، وفيه نزلت : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى) إلى