كأحلام نائم ، أو كظل زائل ، لم تكن بالنسبة إلى الآخرة شيئا ؛ ولما كانت طريقا إلى الآخرة وسببا لنيل ما أعدّه الله لعباده الصالحين من الخير العظيم بما يفعلونه فيها من الأعمال الموجبة للفوز بالجنة ؛ كان فيها خير في الجملة من هذه الحيثية. (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) هذه اللام قيل : هي لام الابتداء دخلت على الخبر لتأكيد مضمون الجملة ، والمبتدأ محذوف تقديره : ولأنت سوف يعطيك إلخ ، وليست للقسم لأنها لا تدخل على المضارع إلا مع النون المؤكّدة ، وقيل : هي للقسم. قال أبو عليّ الفارسي : ليست هذه اللام هي التي في قولك : إن زيدا لقائم ، بل هي التي في قولك : لأقومنّ ، ونابت سوف عن إحدى نوني التأكيد ، فكأنه قال : وليعطينك. قيل : المعنى : ولسوف يعطيك ربك الفتح في الدنيا والثواب في الآخرة فترضى. وقيل : الحوض والشفاعة ، وقيل : ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابه المسك ، وقيل : غير ذلك. والظاهر أنه سبحانه يعطيه ما يرضى به من خيري الدنيا والآخرة ، ومن أهمّ ذلك عنده وأقدمه لديه قبول شفاعته لأمته.
(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) هذا شروع في تعداد ما أفاضه الله سبحانه عليه من النعم ، أي : وجدك يتيما لا أب لك فآوى ، أي : جعل لك مأوى تأوي إليه ، قرأ الجمهور : «فآوى» بألف بعد الهمزة رباعيا ، من آواه يؤويه ، وقرأ أبو الأشهب : «فأوى» ثلاثيا ، وهو إما بمعنى الرباعي ، أو هو من أوى له إذا رحمه. وعن مجاهد معنى الآية : ألم يجدك واحدا في شرفك لا نظير لك فآواك الله بأصحاب يحفظونك ويحوطونك ، فجعل يتيما من قولهم : درّة يتيمة ، وهو بعيد جدا ، والهمزة لإنكار النفي وتقرير المنفيّ على أبلغ وجه ، فكأنه قال : قد وجدك يتيما فآوى ، والوجود بمعنى العلم ، ويتيما مفعوله الثاني ، وقيل : بمعنى المصادفة ، ويتيما حال من مفعوله (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) معطوف على المضارع المنفيّ ، وقيل : هو معطوف على ما يقتضيه الكلام الّذي قبله كما ذكرنا ، أي : قد وجدك يتيما فآوى ووجدك ضالًّا فهدى ، والضلال هنا بمعنى الغفلة ، كما في قوله : (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) (١) وكما في قوله : (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) (٢) والمعنى : أنه وجدك غافلا عما يراد بك من أمر النبوّة ، واختار هذا الزجاج. وقيل : معنى ضالا : لم تكن تدري القرآن ولا الشرائع فهداك لذلك. وقال الكلبي والسدّي والفراء : وجدك في قوم ضلال فهداهم الله لك. وقيل : وجدك طالبا للقبلة فهداك إليها كما في قوله : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) (٣) ويكون الضلال بمعنى الطلب. وقيل : وجدك ضائعا في قومك فهداك إليه ، ويكون الضلال بمعنى الضياع. وقيل : وجدك محبا للهداية فهداك إليها ، ويكون الضلال بمعنى المحبة ، ومنه قول الشاعر :
عجبا لعزّة في اختيار قطيعتي |
|
بعد الضّلال فحبلها قد أخلقا |
وقيل : وجدك ضالا في شعاب مكة فهداك ، أي : ردّك إلى جدّك عبد المطلب (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى)
__________________
(١). طه : ٥٢.
(٢). يوسف : ٣.
(٣). البقرة : ١٤٤.