قاله أبو عبيدة. وقال أيضا : الاسم صلة ، أي : اذكر ربك. وقيل : الباء بمعنى على ، أي : اقرأ على اسم ربك ، يقال : افعل كذا بسم الله ، وعلى اسم الله ، قاله الأخفش. وقيل : الباء للاستعانة ، أي : مستعينا باسم ربك ، ووصف الربّ بقوله : (الَّذِي خَلَقَ) لتذكير النعمة ؛ لأنّ الخلق هو أعظم النعم ، وعليه يترتّب سائر النعم. قال الكلبي : يعني الخلائق (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) يعني بني آدم ، والعلقة : الدم الجامد ، وإذا جرى فهو المسفوح. وقال : «من علق» بجمع علق لأن المراد بالإنسان الجنس ، والمعنى : خلق جنس الإنسان من جنس العلق ، وإذا كان المراد بقوله : «الّذي خلق» كلّ المخلوقات ، فيكون تخصيص الإنسان بالذكر تشريفا له لما فيه من بديع الخلق وعجيب الصنع ، وإذا كان المراد بالذي خلق الّذي خلق الإنسان فيكون الثاني تفسيرا للأول. والنكتة ما في الإبهام ، ثم التفسير من التفات الذهن وتطلعه إلى معرفة ما أبهم أوّلا ثم فسّر ثانيا. ثم كرر الأمر بالقراءة للتأكيد والتقرير فقال : (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) أي : افعل ما أمرت به من القراءة ، وجملة (وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) مستأنفة لإزاحة ما اعتذر به صلىاللهعليهوسلم من قوله : «ما أنا بقارئ» ، يريد أن القراءة شأن من يكتب ويقرأ وهو أميّ ، فقيل له : اقرأ ، وربك الّذي أمرك بالقراءة هو الأكرم. قال الكلبي : يعني الحليم عن جهل العباد فلم يعجل بعقوبتهم ، وقيل : إنه أمره بالقراءة أوّلا لنفسه ، ثم أمره بالقراءة ثانيا للتبليغ ، فلا يكون من باب التأكيد ، والأوّل أولى (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) أي : علّم الإنسان الخط بالقلم ، فكان بواسطة ذلك يقدر على أن يعلم كل مكتوب ، قال الزجاج : علم الإنسان الكتابة بالقلم. قال قتادة : القلم نعمة من الله عزوجل عظيمة ، لو لا ذلك لم يقم دين ولم يصلح عيش ، فدلّ على كمال كرمه بأنه علم عباده ما لم يعلموا ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ، ونبّه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو ، وما دوّنت العلوم ولا قيدت الحكم ولا ضبطت أخبار الأوّلين ومقالاتهم ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة ، ولو لا هي ما استقامت أمور الدين ولا أمور الدنيا ، وسمّي قلما لأنه يقلم ، أي : يقطع ، (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) هذه الجملة بدل اشتمال من التي قبلها ، أي : علمه بالقلم من الأمور الكلية والجزئية ما لم يعلم به منها ، قيل : المراد بالإنسان هنا آدم كما في قوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) (١) وقيل : الإنسان هنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم. والأولى حمل الإنسان على العموم ، والمعنى : أن من علمه الله سبحانه من هذا الجنس بواسطة القلم فقد علمه ما لم يعلم ، وقوله : (كَلَّا) ردع وزجر لمن كفر نعم الله عليه بسبب طغيانه ، وإن لم يتقدم له ذكر ، ومعنى (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) أنه يجاوز الحد ويستكبر على ربه. وقيل : المراد بالإنسان هنا أبو جهل ، وهو المراد بهذا وما بعده إلى آخر السورة ، وأنه تأخّر نزول هذا وما بعده عن الخمس الآيات المذكورة في أوّل هذه السورة. وقيل «كلا» هنا بمعنى حقا ، قاله الجرجاني ، وعلّل ذلك بأنه ليس قبله ولا بعده شيء يكون كلا ردّا له ، وقوله : (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) علّة ليطغى ، أي : ليطغى أن رأى نفسه مستغنيا ، أو لأن رأى نفسه مستغنيا ، والرؤية هنا بمعنى العلم ، ولو كانت البصرية لامتنع
__________________
(١). البقرة : ٣١.