عبلة : «سيدعى» على البناء للمفعول ورفع الزبانية على النيابة. ثم كرّر الردع والزجر فقال : (كَلَّا لا تُطِعْهُ) أي : لا تطعه فيما دعاك إليه من ترك الصلاة (وَاسْجُدْ) أي : صلّ لله غير مكترث به ، ولا مبال بنهيه (وَاقْتَرِبْ) أي : تقرّب إليه سبحانه بالطاعة والعبادة. وقيل : المعنى : إذا سجدت اقترب من الله بالدعاء. وقال زيد بن أسلم : واسجد أنت يا محمد ، واقترب أنت يا أبا جهل من النار ، والأوّل أولى. والسجود هذا الظاهر أن المراد به الصلاة ، وقيل : سجود التلاوة ، ويدلّ على هذا ما ثبت عنه صلىاللهعليهوسلم من السجود عند تلاوة هذه الآية ، كما سيأتي إن شاء الله.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير ، وأبو نعيم في الدلائل ، عن عبد الله بن شداد قال : «أتى جبريل محمدا صلىاللهعليهوسلم فقال : يا محمد اقرأ ، فقال : وما أقرأ؟ فضمه ثم قال : يا محمد اقرأ ، قال : وما أقرأ؟ قال (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) حتى بلغ (ما لَمْ يَعْلَمْ)». وفي الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة : «فجاءه الملك ، فقال : اقرأ ، فقال : قلت : ما أنا بقارئ ، قال : فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ ، فقلت : ما أنا بقارئ ، فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ ، فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد فقال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ـ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ ـ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ـ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ)» الآية. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس قال : قال أبو جهل : لئن رأيت محمدا يصلّي عند الكعبة لأطأنّ عنقه ، فبلغ النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : «لو فعل لأخذته الملائكة عيانا». وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ، والترمذي وصحّحه ، وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عنه قال : «كان النبي صلىاللهعليهوسلم يصلي ، فجاء أبو جهل فقال : ألم أنهك عن هذا؟ إنك لتعلم أن ما بها رجل أكثر ناديا مني ، فأنزل الله : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ ـ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) فجاء النبي صلىاللهعليهوسلم يصلّي ، فقيل : ما يمنعك؟ فقال : قد اسودّ ما بيني وبينه». قال ابن عباس : والله لو تحرك لأخذته الملائكة والناس ينظرون إليه. وأخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا نعم ، قال : واللات والعزّى لئن رأيته يصلي كذلك لأطأنّ على رقبته ولأعفرن وجهه في التراب ، فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته ، قال : فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتّقي بيديه ، فقيل له : ما لك؟ فقال : إن بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا» قال : وأنزل الله : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى ـ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) إلى آخر السورة ، يعني أبا جهل (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) يعني قومه : (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) يعني الملائكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى ـ عَبْداً إِذا صَلَّى) قال : أبو جهل بن هشام حين رمى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالسّلى على ظهره وهو ساجد لله عزوجل. وأخرج ابن المنذر عنه في قوله : (لَنَسْفَعاً) قال : لنأخذن. وأخرج ابن جرير عنه أيضا (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) قال : ناصره ، وقد قدّمنا أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يسجد في (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) وفي (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ).