سورة القدر
وهي مكية عند أكثر المفسرين. كذا قال الماوردي. وقال الثعلبي : هي مدنية في قول أكثر المفسرين ، وذكر الواقدي أنها أوّل سورة نزلت بالمدينة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير وعائشة أنها نزلت بمكة.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥))
الضمير في أنزلناه للقرآن ، وإن لم يتقدّم له ذكر ، أنزل جملة واحدة في ليلة القدر إلى سماء الدنيا من اللوح المحفوظ ، وكان ينزل على النبي صلىاللهعليهوسلم نجوما على حسب الحاجة ، وكان بين نزول أوّله وآخره على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثلاث وعشرون سنة ، وفي آية أخرى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) (١) وهي ليلة القدر ، وفي آية أخرى (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) (٢) وليلة القدر في شهر رمضان. قال مجاهد : في ليلة القدر ليلة الحكم (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) ليلة الحكم ، قيل : سمّيت ليلة القدر لأن الله سبحانه يقدّر فيها ما شاء من أمره إلى السنة القابلة. وقيل : إنها سمّيت بذلك لعظيم قدرها وشرفها ، من قولهم : لفلان قدر ، أي : شرف ومنزلة ، كذا قال الزهري. وقيل : سمّيت بذلك ؛ لأن للطاعات فيها قدرا عظيما وثوابا جزيلا. وقال الخليل : سمّيت ليلة القدر ؛ لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة ، كقوله : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ) (٣) أي : ضيق.
وقد اختلف في تعيين ليلة القدر على أكثر من أربعين قولا ، قد ذكرناها بأدلتها وبيّنا الراجح منها في شرحنا للمنتقى (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) هذا الاستفهام فيه تفخيم لشأنها حتى كأنها خارجة عن دراية الخلق لا يدريها إلا الله سبحانه. قال سفيان : كلّ ما في القرآن من قوله : وما أدراك ؛ فقد أدراه ، وكلّ ما فيه : وما يدريك ؛ فلم يدره ، وكذا قال الفراء. والمعنى : أيّ شيء تجعله داريا بها؟ وقد قدّمنا الكلام في إعراب هذه الجملة في قوله : (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) (٤) ثم قال : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) قال كثير من المفسرين : أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ، واختار هذا الفراء والزجاج ، وذلك أن الأوقات إنّما يفضل بعضها على بعض بما يكون فيها من الخير والنفع ، فلما جعل الله الخير الكثير في
__________________
(١). الدخان : ٣.
(٢). البقرة : ١٨٥.
(٣). الطلاق : ٧.
(٤). الحاقة : ٣.