وخبر ، والجملة في محل نصب على أنها المفعول الثاني ؛ والمعنى : وأيّ شيء أعلمك ما شأن القارعة؟ ثم بيّن سبحانه متى تكون القارعة فقال : (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) وانتصاب الظرف بفعل محذوف تدلّ عليه القارعة ، أي : تقرعهم يوم يكون الناس ... إلخ ، ويجوز أن يكون منصوبا بتقدير اذكر. وقال ابن عطية ومكي وأبو البقاء : هو منصوب بنفس القارعة ، وقيل : هو خبر مبتدأ محذوف ، وإنما نصب لإضافته إلى الفعل ، فالفتحة فتحة بناء لا فتحة إعراب ، أي : هي يوم يكون ... إلخ ، وقيل التقدير : ستأتيكم القارعة يوم يكون. وقرأ زيد بن عليّ برفع يوم على الخبرية للمبتدأ المقدّر. والفراش : الطير الّذي تراه يتساقط في النار والسراج ، والواحدة : فراشة ، كذا قال أبو عبيدة وغيره. قال الفراء : الفراش : هو الطائر من بعوض وغيره. ومنه الجراد. قال : وبه يضرب المثل في الطيش والهوج ، يقال : أطيش من فراشة ، وأنشد :
فراشة الحلم فرعون العذاب وإن |
|
يطلب نداه فكلب دونه كلب |
وقول آخر :
وقد كان أقوام رددت حلومهم |
|
عليهم وكانوا كالفراش من الجهل |
والمراد بالمبثوث المتفرّق المنتشر ، يقال بثه : إذا فرّقه ، ومثل هذا قوله سبحانه في آية أخرى : (كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) (١) وقال المبثوث ولم يقل المبثوثة ، لأنّ الكل جائز ؛ كما في قوله : (أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) (٢) و (أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) (٣) وقد تقدّم بيان وجه ذلك (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) أي : كالصوف الملوّن بالألوان المختلفة الّذي نفش بالندف ، والعهن عند أهل اللغة : الصوف المصبوغ بالألوان المختلفة ، وقد تقدّم بيان هذا في سورة سأل سائل ، وقد ورد في الكتاب العزيز أوصاف للجبال يوم القيامة ، وقد قدّمنا بيان الجمع بينها. ثم ذكر سبحانه أحوال الناس وتفرّقهم فريقين على جهة الإجمال فقال : (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ ـ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) قد تقدّم القول في الميزان في سورة الأعراف وسورة الكهف وسورة الأنبياء.
وقد اختلف فيها هنا ، فقيل : هي جمع موزون ، وهو العمل الّذي له وزن وخطر عند الله ، وبه قال الفرّاء وغيره ، وقيل : هي جمع ميزان ، وهو الآلة التي توضع فيها صحائف الأعمال ، وعبر عنه بلفظ الجمع ، كما يقال لكلّ حادثة ميزان ، وقيل : المراد بالموازين الحجج والدلائل ، كما في قول الشاعر :
قد كنت قبل لقائكم ذا مرّة |
|
عندي لكلّ مخاصم ميزانه |
ومعنى عيشة راضية : مرضية يرضاها صاحبها. قال الزجاج : أي ذات رضى يرضاها صاحبها ، وقيل : «عيشة راضية» أي : فاعلة للرضى ، وهو اللين ، والانقياد لأهلها. والعيشة : كلمة تجمع النعم التي في الجنة (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) أي : رجحت سيئاته على حسناته أو لم تكن له حسنات يعتدّ بها (فَأُمُّهُ
__________________
(١). القمر : ٧.
(٢). القمر : ٢٠.
(٣). الحاقة : ٧.