عقوبة ، وقال ابن زيد : لفي شرّ. قرأ الجمهور : «والعصر» بسكون الصاد. وقرءوا أيضا : (خُسْرٍ) بضم الخاء وسكون السين. وقرأ يحيى بن سلام (وَالْعَصْرِ) بكسر الصاد. وقرأ الأعرج وطلحة وعيسى : (خُسْرٍ) بضم الخاء والسين ، ورويت هذه القراءة عن عاصم (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي : جمعوا بين الإيمان بالله والعمل الصالح ، فإنهم في ربح لا في خسر ؛ لأنهم عملوا للآخرة ولم تشغلهم أعمال الدنيا عنها ، والاستثناء متصل ، ومن قال : إن المراد بالإنسان الكافر فقط ؛ فيكون منقطعا ، ويدخل تحت هذا الاستثناء كل مؤمن ومؤمنة ، ولا وجه لما قيل من أن المراد الصحابة أو بعضهم ، فإن اللفظ عام لا يخرج عنه أحد ممن يتّصف بالإيمان والعمل الصالح (وَتَواصَوْا بِالْحَقِ) أي : وصّى بعضهم بعضا بالحق الّذي يحقّ القيام به ، وهو الإيمان بالله والتوحيد ، والقيام بما شرعه الله ، واجتناب ما نهى عنه. قال قتادة : «بالحق» أي : بالقرآن ، وقيل : بالتوحيد ، والحمل على العموم أولى (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) أي : بالصبر عن معاصي الله سبحانه ، والصبر على فرائضه. وفي جعل التواصي بالصبر قرينا للتواصي بالحق دليل على عظيم قدره وفخامة شرفه ، ومزيد ثواب الصابرين على ما يحق الصبر عليه (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (١) وأيضا التواصي بالصبر مما يندرج تحت التواصي بالحق ، فإفراده بالذكر وتخصيصه بالنصّ عليه من أعظم الأدلة الدالة على إنافته على خصال الحق ، ومزيد شرفه عليها ، وارتفاع طبقته عنها.
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (وَالْعَصْرِ) قال : الدهر. وأخرج ابن جرير عنه قال : هو ساعة من ساعات النهار. وأخرج ابن المنذر عنه أيضا قال : هو ما قبل مغيب الشمس من العشيّ. وأخرج الفريابي ، وأبو عبيد في فضائله ، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، وابن الأنباري في المصاحف ، عن عليّ بن أبي طالب أنه كان يقرأ : «والعصر ، ونوائب الدهر ، إن الإنسان لفي خسر ، وإنه فيه إلى آخر الدهر». وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود أنه كان يقرأ : «والعصر ، إن الإنسان لفي خسر ، وإنه لفيه إلى آخر الدهر».
* * *
__________________
(١). البقرة : ١٥٣.